أضيف بتاريخ : 27-03-2019


المناسبة، مفهومها، حجيتها، انخرامها (*)

الدكتور إسماعيل محمد البريشي/ كلية الشريعة، الجامعة الأردنية

ملخص

تعتبر المناسبة من الأدوات التشريعية المستخدمة من قبل الشرع المطهر لإنتاج العلّية، وبناء الأحكام الشرعية، حيث إن الأحكام الشرعية مبتناة على جلب المصالح وتعظيمها، ودرء المفاسد وتقليلها.

وقد حاولت هذه الدراسة تسليط الأضواء الكاشفة على المناسبة، بياناً لمفهومها، واستجلاءً للأدلة الناهضة بحجيتها، وبياناً لانخرامها عند المعارضة، وما صاحب القول بالانخرام من جدل أُصولي بين أنصار القول بالانخرام ومخالفيهم من المروجين للقول بعدم الانخرام.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن فقه المصالح يعتبر من أكثر أضرب الفقه من حيث وجوب الاعتناء به ودراسته؛ لما يضفيه هذا الفقه على الشريعة الإسلامية الغراء من قدرة على استيعاب الحاجات الإنسانية المتجددة؛ ولما يثبته من مسايرة الشريعة الإسلامية الغراء للتقدم الإنساني، وعدم عجزها عن مواكبة أي مدى يبلغه ركب الحضارة الإنسانية.

ولما كانت المناسبة من بين الأدوات التشريعية الناهضة بفقه المصالح، والمحققة لمقاصده، والتي تأتي إدامة تجدد الأحكام الشرعية من أولى أولوياتها، فلقد ارتأى الباحث أن تتوجه دراسته إلى هذا الضرب مـن

الأدوات التشريعية، وصولاً إلى إبرازه وتجليته، وإزالة ما يكتنفه من ضبابية وغموض، والكشف عما يصاحب هذا النوع من الفقه من جدل فقهي، يحشد أصحابه لآرائهم جملة من المسوغات والحجج.

مشكلة الدراسة:

جاءت هذه الدراسة لتجيب عن التساؤلات الآتية:

1- ما مفهوم المناسبة؟ وما دورها في رفد المسالك القياسية بالمزيد من الحركة التشريعية؟

2- ما مدى اعتبار المناسبة؟ وما مدى ثرائها في إنتاج العلل المنتجة للأحكام الشرعية؟

3- إلى أي مدى يمكن للمناسبة بوصفها أداة تشريعية لفقه المصالح أن تنهض بهذا الفقه وتثريه؟

4- ما حجم الجدل الدائر فقهياً وأصولياً حول حجيتها؟

5- ما حجم الجدل الدائر حول انخرام المناسبة، ومشروعية ثبوت الأحكام الشرعية بعد تخلف المناسبة؟

6- كما جاءت هذه الدراسة لتحقق جملة أهداف منها:

أ. إبراز مفهوم المناسبة، وعلاقة هذا المفهوم بالجذر اللغوي في كافة الإطلاقات اللغوية.

ب. إبراز قدرة المناسبة على إنتاج العلل التي من شأنها أن تساهم في رفد حركة الاستنباط الفقهي.

ج. إبراز مفهوم انخرام المناسبة وعلاقة ذلك بقدرة المناسبة على إنتاج العلل المعُينة على الاستنباط الفقهي.

وقد ركزت هذه الدراسة على جزئية مهمة من المناسبة تتمثل في انخرام المناسبة، ومدى تأثير الانخرام في إنتاج العلّية، وما دار حول هذه المسألة من جدل فقهي وأصولي، وذلك كله عبر مباحث ثلاثة، خصص الباحث أولها لاستجلاء مفهوم المناسبة، بينما سطر في ثانيها أبرز الأدلة على حجيتها، وأفرد ثالثها للحديث عن انخرام المناسبة، مبرزاً في ذلك كله الجدل الأصولي الذي ثار في قضية الانخرام.

بينما خصص الباحث الخاتمة لإيداع النتائج والتوصيات التي خلص إليها من هذه الدراسة.

والباحث إذ يقرر ذلك، ليضرع إلى المولى-العلي القدير- أن يجعل عمله هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون فيه إسهام متواضع في الدراسات في هذا المضمار. والله ولي التوفيق.

المبحث الأول

مفهوم المناسبة

لا بدَّ قبل الولوج في حجية المناسبة وانخرامها من تحديد مفهوم المناسب كما قرره اللغويون والأصوليون، وسيكون ذلك من خلال المطالب الآتية:

المطلب الأول: المناسبة في اللغة.

المطلب الثاني: المناسب في الاصطلاح الأصولي.

المطلب الثالث: المناسبة في الاصطلاح الأصولي.

المطلب الرابع: العلاقة بين المعنى الاصطلاحي والإطلاقات اللغوية.

المطلب الخامس: الألفاظ ذات الصلة بمفهوم المناسبة.

المطلب الأول: المناسبة في اللغة

إذا يممنا وجوهنا شطر معاجم اللغة نتلمس الجذر اللغوي للمناسبة (نَسّبَ)، فإننا سنجده يدور حول المعاني الآتية:

1- الملاءمة: يقال: تلاءم القوم والتأموا: اجتمعوا واتفقوا. وتلاءم الشيئان إذا اجتمعا واتصلا، ويقال: هذا الشيء مناسب لهذا الشيء: أي ملائم([1]).

2- المشاكلة: وقد يأتي المناسب في اللغة بمعنى المشاكل للشيء، يقال: ليس بينهما مناسبة، أي مشاكله([2]).

3- المشاركة: وقد تأتي المناسبة في اللغة بمعنى المشاركة في النسب، يقال: ناسبه، أي: شاركه في نسبه، أي انتهيا إلى نسب واحد([3]).

ويلاحظ أن هذه المعاني اللغوية متقاربة إلى حد ما، حيث إن المشاركة والمشاكلة والملاءمة تشترك في قدر واحد، وهو التوافق بين شيئين، فالمشاكلة هي أعلى درجات ذلك التوافق، بينما تكون الملاءمة أقلها والمشاركة أوسطها.

المطلب الثاني: المناسب في الاصطلاح الأصولي

عرف الأصوليون المناسب في الاصطلاح الأصولي تعريفات مختلفة، تختلف باختلاف نظرتهم إلى تعليل الأحكام وتعلقه (أي التعليل) بأفعال الله، أو أفعال العقلاء([4]).

ومن أبرز التعريفات التي يتداولها الأصوليون في كتبهم للمناسب، يمكن إيراد التعريفات الآتية:

1. عرف الأصولي الحنفي أبو زيد الدبوسي([5])، المناسب بأنه "عبارة عما لو عرض على العقول تلقته بالقبول([6]).

ومعنى هذا التعريف: أن يقبل العقل كون هذا الوصف علة للحكم المستنبط، بمعنى أن يتعقل العقل الوصف ولا يحيل بناء الحكم إليه.

وهذا التعريف على عمومه وقربه من الإطلاقات اللغوية للجذر اللغوي "نَسّبَ" إلا أنه يؤخذ عليه اختلاف العقلاء في إشارة المعاني العقلية وتعلقها، فما كان مستساغاً متعقلاً عند طائفة من الناس، قد لا يكون بذات الاستساغة والتعقل عند آخرين، ومن ثمَّ فإنه لا طريق إلى إلزام المخالف بهذا الوصف أو عليته، لأن للمخالف أن يقول لمخالفه: إن كنت قد تعقلت هذا الوصف واستسغت علّيته، فإني لا أتعقله ولا أستسيغ علّيته، وتعقلك له، واستساغتك علّيته لا يلزماني([7]).

ويبدو للباحث أن هذا الاعتراض ليس في محله؛ لأن المقصود باستساغة العقل وتقبله، الاستساغة من مجمل العقلاء وليس من آحادهم، ومعلوم بداهة أن المعاني العقلية إذا كانت متقبلة ومستساغة، فإنها ستكون كذلك من مجمل أصحاب العقول السليمة والفطر المستقيمة، وأن المعاني العقلية المناسبة غالباً ما تكون موطن اتفاقٍ وليست مثار اختلاف([8]).

وحتى لو كانت مثار اختلاف في بعض الحالات، فإن المخالف يمكنه استنفاذ جهده، واستفراغ وسعه، في إقناع مخالفه بصحة المناسب الذي استساغه وتعقله، وإنتاج ذلك المناسب للعلّية المطلوبة.

2. وعرفه القاضي البيضاوي وبعض الحنفية كالأزميري ومنلاخسرو، بقولهم: إن المناسب ما يجلب للإنسان نفعاً، أو يدفع عنه ضرراً([9]).

وواضح من هذا التعريف أن أصحابه يعتقدون إن أفعال الله سبحانه وتعالى معللة بجلب النفع ودفع الضرّ، ولكن يؤخذ على هذا التعريف أنه عرف الحكم الناتج عن المناسب لا المناسب ذاته، لأن الذي يجلب النفع أو يدفع الضرّ أمر يتعلق بمشروعية الحكم المنتج عن المناسب.

وقد ناقش الأسنوي هذا التعريف معتبراً إياه فاسد الاعتبار؛ لأن التعريف اعتبر المشروعية هي العلة، ومعلوم أن المشروعية هي المعلولة وليست العلة.

فإذا أخذنا وجوب القصاص بوصفه جالباً لمنفعة، ودافعاً لمفسدة، لزم من ذلك أن تكون مشروعية القصاص هي العلة، مع أن القـتل هو الوصف المناسب الذي أُنيط به حكم القصاص([10]).

3. وعرف ابن الحاجب والآمدي المناسب بأنه: "وصف ظاهر منضبط، يحصل عقلاً من ترتيب الحكم عليه، ما يصلح أن يكون مقصوداً من حصول مصلحة، أو دفع مفسدة([11]).

ومراد الأصوليين بالوصف الظاهر، هو الوصف الذي يمكن إدراكه وإناطة الحكم به، وقد عبروا بالظاهر لإخراج الوصف الخفي الذي لا يمكن الاطلاع عليه أو قياسه.

فالعمدية في القتل العمد يمكن إناطة الحكم بها، ومن ثمَّ إيجاب القصاص، لكن لما كانت العمدية أمراً خفياً يصعب التحقق منه أو قياسه، فقد أناط الشارع الحكيم بما يدل على وجود القصد من استعمال آلات القتل المختلفة، كالقتل بالمحدد مثلاً([12]).

وقد عبر الأصوليون "بالانضباط"، لإخراج الوصف غير المنضبط الذي لا يمكن ضبطه وتأطيره، بحيث يمكن التحقق منه ومن وجوده، ومن هنا لجؤوا فيما خفي من الأوصاف إلى مظنتها الظاهرة المنضبطة([13]).

فالمشقة مثلاً أمر مناسب للترخص لقصر الصلاة الرباعية، أو بالجمع بين الظهرين والعشاءين، أو بالفطر في نهار رمضان، لكنه مناسب غير منضبط، وذلك أن المشقة أمر نسبي يختلف من مكلف لآخر، بالإضافة إلى أن المشقة ذاتها في الشخص الواحد تختلف من حال إلى حال، ومن حين إلى حين، حيث إن الشعور الإنساني بالمشقة يتعاظم في أوقات المرض والضيق ووجود المؤثرات الأخرى، ويخف في أوقات الصحة والسعة والدعة، والشارع الحكيم لا يمكن أن ينيط الأحكام الشرعية بالأوصاف غير المنضبطة التي تكثر مراتبها، أو تختلف هذه المراتب من شخص لآخر، أو من حال لحال في الشخص الواحد.

التعريف المختار

يرى الباحث أن أقرب التعريفات لماهية المناسب، وأكثرهـا انطباقـاً على حقيقته، هو تعريف ابن الحاجب

والآمدي؛ وذلك لما يأتي:

1- بعد هذا التعريف عن المحاكمات العقلية والكلامية التي طبعت كثيراً من التعريفات كالخلاف في أفعال الله، أمعللة هي أم لا؟ والخلاف في أفعال العقلاء، إلى غير ذلك من المباحث الكلامية التي لم يحسم الجدل فيها حتى أيامنا هذه.

2- وجود القيود التي تحدد المُعرف، وتبعده عن الغموض أو التعميم.

3- توجه هذا التعريف إلى تعريف المناسب بذاته، والبعد عن تعريف آثاره ونتائجه، وهو الأمر الذي لم تسلم منه كثير من التعريفات المتداولة بين الأصوليين في هذا الباب.

المطلب الثالث: المناسبة في الاصطلاح الأصولي

عرفنا في المطلب السابق كيف عرف الأصوليون المناسب باعتباره وصفاً، وفي هذا المطلب سيبين الباحث مفهوم المناسبة عند الأصوليين، ومن أبرز التعريفات المتداولة للمناسبة عند الأصوليين في هذا الإطار:

1- ما ذكره التبريزي من أن المناسبة: "ملائمة بين الوصف والحكم في نظر رعاية المصالح"([14]).

2- وعرف التلمساني المناسبة بقوله: "أن يكون في محل الحكم وصفاً يناسب ذلك الحكم"([15]).

3- وذكر الشوكاني أن المناسبة هي: "تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة مع السلامة عن القوادح لا بنص ولا غيره"([16]).

4- وقد لخص الشنقيطي الأمور التي تستند إليها المناسبة، بحيث تكون في مجموعها مقومات لمفهومها، فقال: "هو تعيين المجتهد للعلة بالاستناد إلى ثلاثة أمور:

الأول: إبداء المناسبة بين العلة المعينة والحكم.

الثاني: الاقتران بين العلة والحكم.

الثالث: سلامة الوصف المعين من قوادح العلية"([17]).

وهناك تعريفات أخرى متداولة عند الأصولييـن لمسلك المناسبة يكتنف بعضها الدّور، كقول ابن الحاجب: "تعيين العلة في الأصل بمجرد إبداء مناسبة من ذاته لا بنص ولا غيره"([18]).

فذكر ابن الحاجب لفظ المناسبة في التعريف يفضي إلى الدّور الذي يتوقف فهم التعريف فيه على فهم بعض أجزاء المُعرف، بينما يتوقف فهم هذا الجزء على فهم التعريف ذاته، وهذا مما يفضي إلى الدّور.

ولما كان البحث إنما هو في انخرام المناسبة باعتبارها وصفاً للمناسب، فإن الباحث سيقتصر في بحثه على المناسبة، وقد تم إيراد تعريف المناسب في المطلب السابق؛ للتلازم بينه وبين وصفه وهو المناسبة التي لو ربط الحكم بها لكانت جالبةً لمصلحةٍ أو دارئةً لمفسده.

المطلب الرابع: العلاقة بين المعنى الاصطلاحي والإطلاقات اللغوية.

تبدو العلاقة واضحة بين هذا المعنى الاصطلاحي للوصف المناسب، وكافة الإطلاقات اللغوية للجذر اللغوي "نَسَبَ"، حيث إن الحكم المنتج عن الوصف المُعرف ملائم لطبيعة ذلك الوصف، كما أنه ملائم لمقاصد الشريعة.

وهو أيضاً مشارك، حيث تبدو المشاركة بين هذا الوصف والحكم الذي أنتجه، مشاركة المُسبب للسبب، وقل مثل ذلك في المشاكلة التي تفيد معنى التطابق، حيث ترى المشاكلة والمطابقة باديتين بين الوصف المنتج للحكم، والحكم المُنتجَ عن الوصف.

المطلب الخامس: الألفاظ ذات الصلة بمفهوم المناسبة.

ثمة ألفاظٌ ذات صلة بمفهوم المناسبة وقريبة من ذلك المفهوم يتداولها الأصوليون في كتبهم، فيما يأتي أبرزها:

1- الإخالة: وقد سمي الوصف المناسب إخالة؛ لأنه يخال ويظن أن الوصف المناسب هو العلة([19]).

2- تخريج المناط: وقد سمي المناسب بذلك؛ لأن ذلك الوصف إنما يستخرج من بين أوصاف أخرى كثيرة تكون مرشحة للعلّية وإناطة الحكم بها، فيستخرج هذا الوصف ليناط به الحكم([20]).

3- وقد يعبر الأصوليون([21]) عن المناسب بالإضافة إلى ما ذكر، بالمصلحة، أو الاستدلال، أو رعاية المقاصد، وكلها تفيد معنى واحداً.

قال الشوكاني: "ويعبر عنها بالإخالة وبالمصلحة والاستدلال وبرعاية المقاصد" ويسمى استخراجها تخريج المناط"([22])؛ لأنه إبداء مناط الحكم([23]).

المبحث الثاني

 حجية المناسبة

يقصد بالحجيـة انتـهاض المنـاسبة للاحتـجاج واعتبارها مسلكاً من مسالك العلّية، قادراً على إنتاج الأحكام الشرعية، وصالحاً لأن تستقى منه هذه الأحكام.

ويمكن للباحث أن يسطر بعض الأوجه التي تؤيد انتهاض وصف المناسبة للعلّية، ومن ثمَّ قدرتها على إنتاج الأحكام الشرعية.

وفيما يأتي نبذة مختصرة لأبرز الأدلة التي يمكن الاستناد إليها في تقرير حجية المناسبة، وقدرتها على إنتاج الأحكام الشرعية، وصلاحيتها لذلك الإنتاج.

1- إن الشريعة عموماً مبتناة على جلب المصالح وتعظيمها، ودرء المفاسد وتقليلها، فحيثما تكون مصلحة مرتجاة، فإن الشارع الحكيم يدعو إلى تحصيلها، وحيثما تكون مفسدة مخوفة، فإن الشارع الحكيم يدعو إلى دفعها ودرئها، ومعلوم أن الوصف المناسب الذي ينتج ما يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة، فإنّا مأمورون بمراعاته جلباً للمصلحة المرتجاة، أو درءاً للمفسدة المخوفة.

2- إن الله سبحانه وتعالى قد شرّف الإنسان وكرّمه، كما أثبت سبحانه ذلك في قوله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَـاهُمْ فِي الْبَـرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[70: الإسراء].

ومعلوم أن مقتضى هذا التكريم ألا يكلف الإنسان بما لا مصلحة في تحصيله ولا مفسدة في دفعه ودرئه؛ لأن التكليف بما لا مصلحة فيه ينافي التكريم والتشريف([24]).

3- تعليل الأحكام الشرعية: لقد علل القرآن الكريم كثيراً من الأحكام الشرعية كقوله تعالى:(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ)[7: الحشر]، وقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[91: المائدة] إلى غير ذلك من التعليلات الواردة في الكتاب العزيز.

كما أنه -عليه الصلاة والسلام- قد علل كثيراً من الأحكام، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"([25]) وقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل الدافة، ألا فكلوا وادخروا"([26]) إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة التي يظهر فيها تعليل الأحكام الشرعية.

ومعلوم أن تعليل الأحكام الشرعية إنما هو بجلب مصلحة أو درء مفسدة، وجلب المصلحة ودرء المفسدة هو الأثر المباشر لإعمال المناسبة والثمرة المرجوة منها.

4- إن الله سبحانه وتعالى قد علل بعث الأنبياء عموماً، وبعثه محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً بأنه رحمة للعالمين، فقال سبحانه وتعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[107: الأنبياء]. ومقتضى تلك الرحمة أن يكون بعثهم بما يجلب للناس المصالح، أو يدرأ عنهم المفاسد، إذ لو كانت البعثة بما لا يحقق ذلك لم يكن ثمة رحمة في بعث الأنبياء([27]).

5- حكمة الله سبحانه وتعالى: "إنه مما لاشك فيه أن الله سبحانه وتعالى حكيم لا يشرع شيئاً إلا لحكمة ظاهرة، فلا يحرم شيئاً إلا لمفسدة راجحة، أو ضرر غالب، كما لا يبيح شيئاً إلا لمصلحة راجحة أو نفع غالب، وإن حكمة الله سبحانه وتعالى من الوضوح والبداهة بحيث لا تبدو محتاجة إلى استدلال، ومع ذلك فقد تضافرت الأدلة من النقل والعقل على وجود هذه الحكمة وسعتها، مما لا مجال لذكره في هذا المقام، فإذا علمنا ذلك كله اتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك، أن الوصف المنتج بما يجلب المصلحة، أو يدرأ المفسدة حري بالاعتبار والاعتناء من قبل الشارع الحكيم، ولا شك أن الوصف المناسب يعتبر منتجاً لذلك كله، فكان لذلك حرياً بالاعتناء والاعتبار([28]).

6- تنزيه الله -جل وعلا- عن العبث والظلم، فإنّا لو قلنا بأن الأحكام قد شرعت لا لمصلحة تجلبها ولا لمفسدة تدرؤها، لنسبنا العبث إلى الله عز وجل والله سبحانه وتعالى منزه عن العبث نصاً وإجماعاً ومعقولاً([29]).

فأما النص: فأدلته منها قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[115: المؤمنون].

وأما الإجماع: فالأمة مجمعة على اتصاف الله سبحانه وتعالى بالحكمة البالغة وتنزهه عن العبث.

وأما المعقول: فقد ثبت في خلق الله عز وجل أنه لم يخلق شيئاً عبثاً، وأن الحكمة تتبدى في كل ما خلقه الله عز وجل من مخلوقاته المختلفة.

وأما تنزهه عن الظلم، فلأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يشرع من الأحكام ما فيه ضرر بالناس؛ لأنه لو فعل ذلك لكان في فعله ظلم ينزه عنه سبحانه وتعالى والآيات في نفي الظلم عن الله عز وجل أكثر من أن تحصى، منها قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[46: فصلت]، وقوله تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)[49: الكهف]، وقوله عز وجل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)[40: النساء].

كما انعقد الإجماع على تنزهه سبحانه وتعالى عن الظلم.

وأما المعقول، فلأن العقلاء يعلمون بداهة أن الظلم هو صفة نقص في المخلوقين، فما بالك بالخالق عز وجل.

ولذا فإن الخالق منزه عن كل صفات النقص، ومنها الظلم؛ لأن ما ثبت في البشر من نقص، فالله سبحانه وتعالى منزه عنه من باب أولى، وما ثبت لهم من كمال، فالله جل جلاله أولى بالاتصاف به وأحق([30]).

7- إن الله عز وجل خصص كل واقعة معينة بحكم معين، وهذا التخصيص إما أن يكون لمرجح، وإما ألا يكون.

أما القول بأن تخصيص الواقعة المعينـة بحكـم معين، إنما كان بغير مرجح، فمستبعد، إذ يلزم من ذلك ترجيح أحد الجائزين لغير مرجح، وهو عبث ينزه عنه الشارع الحكيم، فتعين أن يكون ذلك التخصيص لتلك الواقعة لمرجح، وهذا المرجح إما أن يكون عائداً لله عز وجل أو أن يكون عائداً لمصلحة البشر، وكونه عائداًَ لمصلحة الله عز وجل مستبعد؛ لأنه يلزم من ذلك النقص في حق الله عز وجل، وأنه بحاجة إلى الاستغناء بغيره، والله منزه عن ذلك كله، فتعين أن يكون ذلك المرجح إنما هو لمصلحة البشر، والترجيح لمصلحة البشر، إما أن يكون بجلب مصلحة أو درء مفسدة، وإما أن يكون لا لمصلحة مرتجاة الجلب ولا لمفسدة مبتغاة الدرء، والثاني ممتنع بإجماع العقلاء؛ للزوم العبث فيه على الله عز وجل، فتعين الأول، وهو أن الله تعالى إنما شرع الأحكام لمصالح العباد جلباً لهذه المصالح، أو درءاً لتلك المفاسد([31]).

8- إجماع الأمة كلها على أن الله - جل وعلا- حكيم، وأنه لا يفعل شيئاً إلا لمصلحة ظاهرة([32])، وأن أمره ونهيه سبحانه وتعالى إنما يصدران عن حكمة بالغة، وهذه المصلحة لا يخلو الأمر من عودها إلى الله عز وجل أو عودها إلى العباد، وعودها إلى الله عز وجل ممتنع لاستغنائه سبحانه وتعالى عن المصلحة، فلم يبق إلا أن تعود على العباد.

ومعلوم أن الوصف المناسب، هو ذاك الوصف الذي يؤدي إعماله إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة، فدلنا ذلك على حجية المناسبة وعلّيتها([33]).

ولأن المصلحة والحكم مقترنان، حيث لا يوجد أحدهما إلا بوجود الآخر، والذي دلنا على ذلك التكرار، حيث إنه بتكرار الأحكام وفق نفس المصالح، يغلب على الظن أن الحكم لو وجد بعد ذلك فسيكون منسجماً مع تلك المصلحة التي تكرر وجودها، وهذا يعني أن وجود الحكم في الغالب سيكون بسبب تلك المصلحة([34]).

ومن خلال ما تقدم يظهر جلياً احتفاء الشارع الحكيم بالمصالح جلباً وتعظيماً، وبالمفاسد درءً وإبعاداً وتقليلاً، ولما كانت المناسبة محققة لمقصد الشارع الحكيم المتمثل في تحصيل المصالح وتعظيمها، ودرء المفاسد وتقليلها، فإن تحقيقها لذلك المقصد العظيم من مقاصد الشريعة، يضفي عليها مزيداً من المشروعية، ويمنحها القدرة على التأثير في الأحكام الشرعية، فتكتسب بذلك العلّية لتصبح من خلال ذلك كله مسلكاً مهماً من مسالك التعليل.

المبحث الثالث

انخرام المناسبة

بالرغم من أن علّية المناسبة ليست مثار اختلاف عند جمهرة الأصوليين، إلا أن انخرام المناسبة لم يحظَ بالاتفاق الذي حظيت به علّيتها، وقبل الولوج في تحرير محل النزاع بين الأصوليين في انخرام المناسبة وذكر أقوالهم وأدلتهم، فلا بد للباحث من أن يطل إطلالة يسيرة على تحديد مفهوم الانخرام.

فالانخرام يعني: ألا يكون للمناسبة أثر في اقتضاء الحكم، وذلك بألا يقضي العقل بمناسبتها للحكم عندما يوجد ما يعارضها، ولا يعني الانخرام أن يكون الوصف خالياً عن استلزام المصلحة أو نفيها عنه.

تحرير محل النزاع:

إن خلاف الأصوليين في انخرام المناسبة وتأثير ذلك الانخرام في إبطال عليّة الوصف المناسب، ينحصر لدى القائلين بعدم جواز تخصيص العلة، حيث إن القائلين بجواز تخصيص العلة لا يُتَصوَّر وقوع الخلاف بينهم؛ لأنهم يقولون بجواز بقاء المناسبتين، أو اجتماع جهتي المصلحة والمفسدة، وهذا من مقتضى القول بجواز التخصيص([35]).

وقد اتفق الأصوليون([36]) على أن المعارض إذا كان دالاً على انتفاء المصلحة أو وقوع المفسدة، فإنه مؤدٍ إلى انخرام المناسبة، ومن ثمَّ إبطال العلّية، وذلك لأن المناسبة المنتجة للمصلحة والتي كانت سبباً في علّية الوصف قد انتفت، فتنتفي عليّتها بذلك الانتفاء.

أما إذا كان المعارض يدل على انتفاء المصلحة، أو وجه من وجوه المفسدة، أو وجود مصلحة مساوية لمصلحة المناسبة أو راجحة عليها، فهذا الذي وقع فيه الخلاف بين الأصوليين على مذهبين:

المذهب الأول: القول ببطلان المناسبة، وهذا قول الأكثرية ومنهم بعض المالكية كابن الحاجب، والآمدي من الشافعية، وصفي الدين الهندي([37]).

المذهب الثاني: القول بعدم البطلان، وبقاء المناسبة مؤثرة ومنتجة للعلّية، وممن ذهب إلى هذا المذهب الإمام الرازي، والقاضي البيضاوي، وهو المذهب المختار عند المالكية([38]).

الأدلة:

استدل كل من الفريقين على مدعاه بجملة من الأدلة، فيما يأتي أبرزها:

أ. أدلة القائلين بانخرام المناسبة:

استدل القائلون بإنخرام المناسبة عند المعارضة وعدم إنتاجها للعلّية بما يأتي:

1- القياس على تعارض الأدلة النصية، أو تعارض الأقيسة: فإذا كان الدليل المعارض مساوياً للمعارض أو أقوى منه، امتنع العمل به. وهذا الامتناع وإن لم يرتب بطلاناً على الدليل المعَارض -بالفتح- إلا أنه يمتنع الاستدلال بهذا الدليل، ويتخرج على ذلك قول الأصوليين: "إن الأدلة إذا تعارضت تساقطت"([39]) بمعنى أنه إذا كانت الأدلة من نفس الدرجة ومتساوية في نفس القدر من الدلالة، امتنع العمل بأي منها وبُحث عن أدلة أخرى، وهذا كله عند تساوي الأدلة، أما عند رجحان بعضها على بعض، فإنه يمتنع العمل بالمرجوح ويُصار إلى العمل بالراجح، ومثل ذلك يقال عند انتفاء المصلحة أو وجود مصلحة أخرى مساوية أو راجحة([40]).

2- إن المصلحة إذا عورضت بمفسدة مساوية أو راجحة عليها، لم يعد ثمة مصلحة، فإذا قال رجل لآخر: بع متاعك برأس ماله أو بخسارة، فامتثل له، عُدّ امتثاله هذا ضرباً من العبث والحماقة، وعُدّ تصرفه غير جارٍ على نسق تصرفات العقلاء([41]).

3- إن القول بالعمل بالمناسبة ذي المصلحة المعارضة بمفسدة مساوية أو راجحة، يلزم منه أمران:

أولهما: العمل بالمصلحة والمفسدة معاً، وهذا عبث يتنزه عنه الشارع الحكيم؛ وذلك لأن المصلحة المنتجة من المناسبة تعادلها المفسدة المساوية أو الراجحة.

ثانيهما: إن القول بإعمال المصلحتين معاً يلزم منه عند تساويهما أن يكون ترجيح إحدى المصلحتين على الأخرى من غير مرجح، وهذا تحكمٌ؛ لأن اختيار إحدى المصلحتين وتقديمها على الأخرى لابد أن يكون عن دليل رجح العمل بالمصلحة المقدمة على العمل بالمؤخرة، وإما أن يكون قد عمل بالمناسبة التي تحقق المصلحة وبالمناسبة التي تحقق المفسدة، وهذا الأمر ممتنع؛ لأنه جمع بين الضدين([42]).

4- إنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، شرع درء المفاسد وإن أدى إلى تفويت المصالح([43]) عملاً بالقاعدة التي تقول: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"([44]). وهذه القاعدة استوحاها العقلاء مما يأتي:

أ. العقل؛ لأنه عند تعارض المفاسد والمصالح، تصبح المصالح لاغية؛ وذلك لأن تحصيل المصلحة بارتكاب المفسدة تلغي الأثر المترتب على ذلك التحصيل، فكأن المناسبة حينئذ لم تعد ذات مصلحة، وذلك لطغيان المفسدة التي عورضت بها هذه المصلحة.

ب. استقراء الأحكام الشرعية التي دل استقراء جُلّها على عدم مشروعية الحكم الذي يترتب على تحصيل المصلحة فيه مفسدة مساوية أو راجحة، وهذا منتشر ومستفيض في الأحكام الشرعية ونظائره كثيرة ومتعددة وهي أكثر من أن تحصى، ومنها: عدم جواز الخلوة بالمرآة الأجنبية لتعليمها القرآن، فمع أن في تعليم القرآن مصلحة واضحة، إلا أن الخلوة مفضية إلى مفسدة راجحة على تلك المصلحة([45]).

ومنها: عدم سُنية تقبيل الحجر الأسود إذا أدى تقبله إلى مزاحمة الرجال للنساء؛ لما يترتب على تلك المزاحمة من مفاسدة متعددة.

ب. أدلة القائلين بعدم انخرام المناسبة:

استدل القائلون بعدم انخرام المناسبة وقدرتها على إنتاج العلّية بجملة من الأدلة فيما يأتي أبرزها:

1- إنه لا يبعد العمل بالمناسبتين المتعارضتين، وذلك بإعطاء كل مناسبة منهما ما تقتضيه من أحكام، وقد وجدنا نظائر لذلك في الشرع المطهر، فقد رتب الشارع الحكيم على الصلاة في الأرض المغصوبة مثلاً حكمين مختلفين، فقد رتب الثواب على ذات الصلاة، والعقاب على كونها في أرض مغصوبة، وكذا البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، فقد رتب الشارع الحكيم صحة البيع وإفادته للملك، بينما رتب الإثم والعقاب على ذات البيع، فعلمنا من ذلك كله أنه ليس من ضرورة تعارض المناسبتين أن تبطل إحداهما بالأخرى، بل تعطى كل مناسبة منهما مقتضاها([46]).

2- إن العمل بالمصلحتين المتعارضتين غير خارج عن مألوف الشرع، أو المنطق التشريعي، ألا ترى لو أن السلطان ظفر بجاسوس، كان له أن يحاكمه ويقتله لتجسسه، وكان له أن يعفو عنه؛ تأليفاً لقلبه، وتشجيعاً له على الإدلاء بالأسرار العسكرية لقومه، وإن السلطان لو فعل أيَّاً من هذين الأمرين لم يكن ملوماً، ولم يكن فعله هذا خارجاً عن مألوف الشرع، أو المنطق التشريعي، يدل على ذلك تخيير الإمام في أمر الأسارى بين أشياء متعارضة، وإن الإمام إذا فعل إحدى هذه الأشياء المتعارضة لا بعينه لم يتجه لومه، أو عُدّ تصرفاً نادراً عن المنطق التشريعي([47]).

3- لم يستنكر العقلاء أن تجتمع المصلحة والمفسدة في شيء في آن واحد، بل إن المتتبع للخطط التشريعية، يجد أن الأحكام الشرعية المبتناة على جلب المصالح غالباً ما تشوبها بعض المفاسد، فليس هناك نفع محض أو ضرر محض ولا مصلحة متمحضة، ولا مفسدة متمحضة كذلك، فما من مصلحة إلا وتشوبها مفسدة، وما من مفسدة إلا وتشوبها مصلحة، والعبرة في هذا كله للغالب([48]). ويؤكد الشاطبي هذا المعنى حين يقول: "... فإن المصالح الدنيوية، لا يتخلص كونها مصالح محضة... لأن تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاق، قلَّت أو كثرت، تقترن بها، أو تسبقها، أو تلحقها... كما أن المفاسد الدنيوية ليست بمفاسد محضة... إذ ما من مفسدة... إلا ويقترن بها أو تسبقها، أو يتبعها من الرفق واللطف ونيل اللذات كثير... فإذا كان كذلك، فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب: فإذا كان الغالب جهة المصلحة، فهي المصلحة المفهومة عرفاً، وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفاً"([49]).

وهذا الأمر ينسحب على الأصول العادية أيضاً فيما يتداوله الناس من كلام بينهم، إذ ليس بمستغرب ولا بمستهجن أن يقال: إن الأمر الفلاني فيه مصلحة لولا ما فيه من مفسدة، ولا يستنكر العقلاء هذا القول، فدلنا ذلك على جواز اجتماع المصالح والمفاسد معاً.

4- إذا تعارضت المناسبتان، فلا يخلو الأمر، من أن تكونا متساويين أو ترجح إحداهما على الأخرى، فإذا كانتا متساويتين امتنع القول بإبطال إحداهما بالأخرى، حيث إن المفترضة بطلانها ليست أولى بهذا البطلان من نظيرتها المعارضة لها.

وعندئذ إما أن يقال إن كل واحدة منهما أبطلت نظيرتها، وهذا ممتنع ومحال؛ لأن علة بطلان كل واحدة منهما هي وجود الأخرى، فيلزم من ذلك الدَّور، ثم إنه يترتب على هذا القول أن تكونا موجدتين حال كونهما معدومتين، وهذا أمر تحيله العقول السلمية، وإما أن يقال بعدم بطلان أي منهما بالأخرى عند التعارض، وهذا هو المطلوب.

أما إذا كانت إحداهما أرجح أو أقوى من الأخـرى: فلا يلزم أن تبطل المرجوحة بمعارضتـها الراجحة؛ لما يأتي:

أ. إن القول بذلك يلزم منه إثبات المنافاة بينهما، والثابت عدم منافاة، فجواز اجتماعهما يجعل تلك المنافاة مستبعدة، ولذا فلا تندفع إحداهما بالأخرى سواء في ذلك الراجحة أو المرجوحة.

ب. إذا افترضنا انتفاء المرجوحة بالراجحة لأجل التعارض المفترض، فيلزم منه إما القول بأن الراجحة قد انتفى بعضها بالمرجوحة، أو لم ينتف شيء منها، وهذان الأمران باطلان مما يبطل التعارض([50]).

الترجيح:

إن الناظر في أدلة الفريقين لا يسعه إلا أن يسجل الملاحظات الآتية:

1- إن أدلة الفريق الثاني لا تعدو كونها افتراضات عقلية مجردة بعيدة عن التطبيق من الناحية العملية، حيث إن هذه الأدلة تمحورت في جُلّها على افتراض عدم التعارض بين المناسبة المنتجة للعلّية ووجود ما يعارضها مما يبطل المصلحة أو يحدث مفسدة.

2- إن قول دعاة عدم الانخرام بعدم التعارض بين مصلحة ومفسدة بدليل أن الشرع أعملهما معاً، كما في الصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة، لا يبدو متجهاً، وذلك لانفكاك الجهة، فإن الغصب حرام وذو مفسدة بحد ذاته سواء اقترن بالصلاة أو لم يقترن بها، كما أن الصلاة ذات مصلحة بحد ذاتها أيضاً قارنها الغصب أم لم يقارنها، ألا ترى أن الأرض لو بقيت مشغولة بالغصب فإن المفسدة تبقى قائمة سواء أصلى فيها أم لم يُصلِّ، وقل مثل ذلك في البيع وقت النداء لصلاة الجمعة فإن القائلين بالانحرام إنما يقولون به عندما تكون المصلحتان متعارضتين في الشيء ذاته، أو عندما تكون المصلحة والمفسدة متلازمتين في أمر واحد في وقت واحد، وليس الأمر كذلك فيما أورده دعاة عدم الانخرام، وفيما مثلوا به، سواء تعلق الأمر بالصلاة في الأرض المغصوبة وبالبيع وقت النداء لصلاة الجمعة أولاً، بدليل أنه لو قدر أن المصلحة والمفسدة ناشئتان من الصلاة ذاتها كما في المثال الأول، لكان مقتضاه ألا تصح قطعاً كما هو الحال في صوم يوم العيد، لتساوي الأمر به والصارف عنه في ذات الوقت، حيث تساوت مصلحة الصوم ومفسدة صوم يوم العيد، وتواردتا على شيء واحد وهو يوم العيد.

ومثل ذلك يقال في المثال الثاني- تحريم البيع وقت النداء للجمعة- حيث لا تعارض بين المقتضى الذاتي والخارجي، حيث إن النهي لم ينصرف لذات البيع، وإنما لاقترانه بالنداء مما قد يُلهي عن الصلاة([51]).

3- وأما الاستدلال بجواز فعل أي من المصالح المتعارضة، كما في مسألة فعل السلطان مع الجاسوس الواردة في الدليل الثاني، فيبدو بعيداً، حيث إن السلطان مأمور بفعل المصلحة الراجحة لا المرجوحة، بحيث إنَّه إذا فعل المرجوحة كان ملوماً ومؤاخذاً على صنيعه هذا، ويوضح ذلك الآمدي حيث يقول: "مهما لم يترجح في نظر الملك وأهل العرف مصلحة ما عينه من أحد الطريقين من الإحسان أو الإساءة بمقتضى الحالة الراهنة، فإن فعله لا يكون مناسباً، ويكون بتصرفه خارجاً عن تصرفات العقلاء"([52]).

4- وأما القول بجواز اجتماع المصلحة والمفسدة معاً بدليل أنه يصح أن يقال: "إن الأمر الفلاني فيه مصلحة لولا ما فيه من المفسدة"([53])، فصحيح بالجملة، غير أن هذا لا يعني ألا تبطل المصلحة المرجوحة بالمفسدة الراجحة لما بينهما من منافاة أو تعارض في الغرض([54])، فكلام دعاة عدم الانخرام في هذا الدليل منصب على وجود المصلحة والمفسدة معاً في الأشياء عموماً ولكن ماذا بعد ذلك؟

هل تُحصّل المصلحة ولو بارتكاب مفسدة؟ أم تترك تلك المصلحة درءً لتلك المفسدة؟.

فقد نصَّ القرآن الكريم على وجود المنافع الآنية في الخمر، ومع ذلك فقد حرمها درءاً للمفاسد المترتبة على معاقرتها، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)[219: البقرة].

فقد حرّم القرآن الكريم الخمر مع نصه على وجود المنافع فيها؛ للمفاسد والأضرار الناشئة عن معاقرتها، وقد بين النظم القرآني طرفاً من هذه الأضرار والمفاسد في قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[91: المائدة].

وهذا ضرب من فقه الموازنات الذي لابد من إعماله للحكم على المصالح المتعارضة فيما بينها، أو المتعارضة مع المفاسد المساوية أو الراجحة.

حيث إن كل العقلاء مطبقون على أنه من العبث بمكان أن تجلب مصلحة بارتكاب مفسدة مساوية لها أو راجحة عليها.

ومعلوم بداهة أن الشارع الحكيم منزه عن العبث، وأن أحكام الشرع الشريف مبتناه على جلب المصالح وتعظيمها ودرء المفاسد وتقليلها.

5- وأما الاستناد إلى تساوي المصلحتين، أو تساوي المصلحة على المفسدة وعدم بطلان إحداهما بالأخرى كما هو في الدليل الرابع، فليس مُسلَّماً؛ وذلك لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولما كان جلب المصلحة لا يتأتى إلا بارتكاب المفسدة، عُرف بداهة لدى أصحاب العقول السليمة أنه لا منفعة ترجى من جلب المصلحة، حيث إن المحصلة النهائية لجلبها ستكون تحقق المفسدة([55]).

وأما قول دعاة عدم الإنخرام بعدم المنافاة بين المصلحة والمفسدة كما هو في الدليل الرابع أيضاً، فغير مُسلَّم؛ فإن عدم التفاسد الذي أشاروا إليه إنما يتعلق بوجود المصلحة والمفسدة بالفعل الواحد أو الشيء الواحد، والمخالف لا ينازع في هذا، وإنما ينازع في الخطوة التالية ، وهي فيما إذا كان من الحكمة بمكان أن نجلب المصلحة مع وجود المفسدة([56]).

وعليه فإن دعاة عدم الانخرام يتحدثون عن الشيء أو الفعل أو الأمر قبل إعمال المناسبة فيه لإنتاج العلّية، ومخالفوهم من أنصار القول بالانخرام، إنما يتحدثون عن الخطوة التالية، وهي: إعمال المناسبة لإنتاج العلّية وصولاً إلى بناء الأحكام الشرعية على هذه العلّية.

ومن هنا فإن هذا الدليل الذي اعتبره دعاة عدم الانخرام مفزعاً لهم وموئلاً ولاذوا به معتبرين إياه الركن الركين الذي يسند مدعاهم، ليس بقادر على أن يحقق لهم مأمولهم ويوصلهم إلى مطلوبهم؛ لأن دعاة عدم الانخرام يلجؤون إلى الافتراضات العقلية ويلزمون مخالفيهم بإلزامات عقلية، تكون كلها في مرحلة سابقة عن مرحلة إعمال المناسبة لإنتاج العلّية.

6- إن المتأمل لأدلة دعاة عدم الانخرام يجد أنها في المحصلة النهائية لا تخرج عن فكرة أو فكرتين، وإنما جرى التفنن في صياغتها، والتلاعب بألفاظها، بحيث تولد لدى القارئ غير المدقق انطباعاً بأنها أدلة مختلفة وهي ليست كذلك في الواقع ونفس الأمر.

7- إن جزءاً كبيراً من استدلالات القائلين بعدم الانخرام إنما كانت بمثابة دعاوى صيغت بعناية لتظهر وكأنها أدلة، بينما يجد الفاحص المدقق لهذه الأدلة المفترضة أنها لم تعدُ كونها دعاوى، ومن ثمَّ فهي محل نزاع، وإنه لا يصح الاستدلال بمحل النزاع على محل النزاع، ولا بالدعوى على الدعوى؛ وذلك لأن الدعوى ذاتها محتاجة إلى دليل يسندها، فليس يصح أن تسند هي نفسها.

8- إن أدلة القائلين بالانخرام كانت أمس بصلب المسألة، وأكثر اتساقاً، ومنطقية، ومعقولية، من أدلة أنصار عدم الانخرام، والتي كان جُلّها افتراضات عقلية، وتكراراً لدعاوى مصاغة بعناية كي تظهر بمظهر الأدلة التي يختلف لاحقها عن سابقها، وتاليها عن متلوها.

إن الفكرة التي دار حولها دعـاة عدم الانخـرام وعليها دندنوا، تتمثل في إيجاد التناقض في القول بانخرام المناسبة، حيث إن المناسبة وصف لا يمكن أن تنخرم؛ لأن المصلحة فيها ذاتية، دون أن يفطن هؤلاء الى أن المراد بانخرام المناسبة ليس بطلانها في ذاتها؛ لأن المصلحة فيها أصلية وذاتية، وإنما المراد عدم قدرة المناسبة على إنتاج الحكم المناط بها في هذه الحالة بالذات، أعني الحالة التي تعارض المناسبة فيها مفسدة مساوية أو راجحة، فليس المراد بالانخرام انتفاء المصلحة عن المناسبة بالكليّة، وإنما المراد تخلف هذا الوصف عن إنتاج الحكم في حالة بعينها.

وبناءً عليه فإن الباحث يجد نفسه أكثر اقتناعاً بالقول بانخرام المناسبة المعارضة بمفسدة، وعدم قدرتها في هذه الحالة على إنتاج العلّية، أو استنباط الأحكام الشرعية منها ومن عليتها المُنتجة؛ لأن هذا القول كما سبقت الإشارة أكثر اتساقاً والمنطق التشريعي للشريعة المطهرة، الذي لا يمكن أن تكون أحكامه مبنية على أسس غير معقولة، والتي يستبعد غاية الاستبعاد أن يتسلل إليها العبث، أو يكتنفها الغموض وعدم منطقية الطرح.

الخاتمة

وبعد هذا التجوال والتطواف في المناسبة ومفهومها، وحجيتها، وانخرامها، فقد تبدت للباحث جملة من النتائج والتوصيات، يسوق أبرزها في السطور التوالي:

أ- النتائج:

1- لقد تعاور مفهوم المناسب عند معرفية اتجاهان: أحدهما قد نظر للمناسب باعتبار ماهيته وأقسامه، بينما عالجه الآخر باعتبار أثره ومآله.

2- لقد تضافرت الأدلة التشريعية على اعتبار المناسبة وحجيتها، وقدرتها على إنتاج العلل المنتجة بدورها للأحكام الشرعية، المستقاة من تلك الأوصاف الظاهرة المنضبطية التي تشكل حقيقة المناسبة وماهيتها.

3- إن الشـريعة الإسلاميـة الغـراء في خططـها التشريعية، ذات منطق تشريعي مبني على جلب المصالح وتعظيمها، ودرء المفاسد وتقليلها، باعتبار ذلك كله هدفاً مرجواً، وغرضاً مأمولاً للخطط التشريعية القائمة على تحقيق المقاصد الشرعية، وصولاً إلى بناء تشريعي محكم قادر على تحقيق تلك المقاصد.

4- إن القول بإنخرام المناسبة وعدم قدرتها على إنتاج العلّية ساعة يكون معارضاً، هو القول الأكثر اتساقاً مع المنطق التشريعي للشريعة الغراء، كما أنه القول الأكثر تحقيقاً لمقاصد الشريعة، والألصق بمقاصدها، وصيانة أحكامها عن العبث وعدم المنطقية.

5- إن أدلة القائلين بعدم الانخرام انصبت - مع كون أكثرها تكراراً لدعاوى ومحال نزاع- على إلزامات عقلية متعلقة بعدم استبعاد اجتماع المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار في شيء واحد، وهذا أمر بدهي، بينما كان المطلوب الاستدلال على جواز اجتماع المذكورات، عند إعمال المناسبة لا قبل إعمالها.

6- إن أدلة أنصار القول بالانخرام كانت أمس بصلب المسألة موضوع البحث، وأكثر اتساقاً مع المنطق التشريعي لهذه الشريعة، وأكثر تحقيقاً لمقاصدها.

ب- التوصيات:

1- توصي هذه الدراسة الباحثين بالاهتمام بفقه المناسبة خصوصاً، وفقه الاجتهاد المصلحي عموماً؛ لما لهذا الفقه من قدرة متجددة على رفد الشريعة الإسلامية بالأحكام الشرعية، مما يعزز القول بخلودها وبقائها، وصلاحيتها وإصلاحها لكل زمان ومكان.

2- كما وتوصي الدراسة الباحثين بالاهتمام بالأبعاد المقاصدية للشريعة، بحيث تفهم النصوص الشرعية في ضوء مقاصد التشريع دون أن تعزل عن هذه المقاصد.

3- كما وتوصي الدراسة بالاهتمام بالمصالح عند تعارضها، وبالقواعد التي يتم الترجيح من خلالها بين هذه المصالح المتعارضة.

 

(*) المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت، المجلد السادس، العدد (3)، 1431 ه‍/2010م.

 

الهوامش:


([1]) انظر: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (ت 711ﻫ)، لسان العرب، دار صادر بيروت، ج12، ص531. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت، 1986م، ص245.

([2]) انظر: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817ﻫ)، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، ط2، 1987م، ص176.

([3]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج1، 756.

([4]) هذا مبحث كلامي محله المطولات.

([5]) هو عبيد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدبوسي، نسبة إلى دبوسية، قرية بسمرقند، كان عالماً حنفياً، إلا أن مؤلفاته في الأصول تميزت في الجمع بين الطريقتين المشهورتين في التصنيف في الأصول، وهما: طريقة الحنفية، وطريقة المتكلمين ولذا اعتبر أول من وضع علم الخلاف، وأجل تصانيفه: الأسرار في الأصول والفروع والنظم في الفتاوى، الأنوار في الأصول وكتاب تقويم الأدلة في الأصول، ولد عام 367ﻫ توفي ببخارى عام 430ﻫ. (انظر، اللكنوي، محمد بن علي الحي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت– لبنان، ص109، البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين أسماء المؤلفين والمصنفين، دار الفكر، 1982م، ج5، ص648).

([6]) الازميري، حاشية الازميري على شرح مرقاة الوصول، المسمى بمرآة الأصول لمنلاخسرو، دار الطباعة العامرة، 1309ﻫ، ج2، ص319. سيف الدين علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ضبطه وكتب حواشيه الشيخ إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص237.

([7]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص237. الايجي، عبد الرحمن بن أحمد (ت 756ﻫ) شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي، لابن الحاجب ضبطه ووضع حواشيه، فادي نصيف وطارق يحيى، ط1، 2000م، دار الكتب العلمية، ص320. الازميري، حاشية الازميري، ج2، ص319.

([8]) انظر: الشيخ عبد الرحمن الشربيني، تقريره على جمع الجوامع لابن السبكي على حاشية العطار، ج2، ص319. الأصفهاني، محمد بن محمود بن عباد ألعجلي (ت 653ﻫ)، الكاشف عن المحصول في علم الأصول، تحقيق وتعليق ودراسة للشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، ط1، 1998، دار الكتب العلمية، ج6، ص330-331.

([9]) انظر: البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد بن علي (ت 685ﻫ)، منهاج الوصول إلى علم الأصول، مطبوع على معراج المنهاج، لشمس الدين محمد بن يوسف الجزري (ت 711ﻫ)، حققه وقدم له، د.شعبان محمد إسماعيل، ط1، 2003م، دار ابن حزم، ص519. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1255ﻫ)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار الفكر، ص، الأزميري، حاشية، ج2، ص319. التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح التلويح على التوضيح، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1957، ج2، ص69-70. الازميري، حاشية الازميري، ج2، ص319. أمير بادشاه، محمد أمين، تيسير التحرير، دار الفكر، ج3، ص308.

([10]) انظر، الاسنوي، جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن (ت 772ﻫ)، نهاية السول شرح منهاج الوصول في علم الأصول، المطبعة السلفية ومكتبتها، عالم الكتب، بيروت1982، ج4، ص 78-79. الازميري، حاشية الازميري، ج2، ص319.

([11]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص237. ابن الحاجب، أبو عمر، جمال الدين عثمان بن عمرو بن أبي بكر (ت 646ﻫ)، مختصر المنتهى الأصولي على شرح العضد، ضبطه ووضع حواشيه فادي نصيف وطارق يحيى، ط1، 2000م، دار الكتب العلمية، ص320.

([12]) انظر، تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي، جمع الجوامع، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، ط2، 1937م، ج4، ص89-91، ابن قاسم العبادي، الآيات البينات على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، طبعة استانبول 1289ﻫ، ج4، ص89-91.

([13]) انظر: المراجع نفسها، الأماكن ذاتها. عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد السعدي، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين، دار البشائر الإسلامية- بيروت، ط1، 1986م، ص392.

([14]) القرافي، أحمد بن إدريس (684ﻫ-1285م)، نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، ط2، مكتبة نزار ألباز، مكة المكرمة، (1914–1997)، ج7، ص3405.

([15]) التلمساني، أبو عبد الله محمد بن أحمد الحسيني (771ﻫ-1369م)، مفتاح الأصول إلى بناء الفروع على الأصول، تحقيق محمد علي فركوس، ط1، المكتبة المكية مؤسسة الريان، بيروت 1419ﻫ-1998م، ص700.

([16]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص214.

([17]) الشنقيطي، الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار (1393ﻫ)، نثر الورود على مراقي أبي السعود، حققه وأكمله تلميذه د.محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي، دار المنارة، ط2، جده(1420ﻫ-1996م)، ج1، ص491.

([18]) ابن الحاجب، مختصر المنتهى، ص181. وانظر: ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد (620ﻫ) روضة الناظر وجنة المناظر في أصول على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، قدم له وعلق علي د.عبد الكريم بن علي النملة، ط 5، مكتبة الرشيد، الرياض، (1417ﻫ-1997م)، ج3، ص848. البذخشي، محمد ابن الحسن، مناهج العقول شرح منهاج الوصول المعروف بأصول البزدوي، مطبوع مع كشف الأسرار للبزدوي، ج3، ص68-69. ابن السبكي، جمع الجوامع، ج2، ص420- 423.

([19]) انظر: الاسنوي، نهاية السول، ج4، ص76-77. أمير عبد العزيز، أصول الفقه الإسلامي، دار السلام، ط1، 1997، المجلد الثاني، ص396.

([20]) انظر: الايجي، شرح العضد، ص320، الشوكاني، إرشاد الفحول، ص214.

([21]) انظر: البغدادي، عبد المؤمن بن عبد الحق، تيسير الوصول إلى قواعد الأصول، شرح عبد الله بن صالح الفوزان، ط1، 2001، الناشر، دار الفضيلة ودار ابن حزم، ج2، ص602.

([22]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص214.

([23]) انظر: الاسنوي، نهاية السول، ج4، ص76.

([24]) انظر: فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي (544-606ﻫ)، المحصول في علم أصول الفقه، دار الكتب العلمية، ط1، 1988م، ج2، ص328-329. الاسنوي، نهاية السول، ج4، ص76

([25]) أخرجه البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت194ﻫ) في صحيحه، كتاب 79، الاستئذان باب 11، الاستئذان من أجل البصر، ط1، 2003-1424ﻫ، دار ابن حزم، حديث رقم 6241، ص1163.

*وأخرجه النيسابوري، مسلم بن الحجاج، (ت261ﻫ) في صحيحه، كتاب 38، الآداب، باب 9، تحريم النظر في بيت غيره، ط1، 2002-1423ﻫ، دار ابن حزم، حديث رقم 2156، ص957-958.

*واللفظ للبخاري.

([26]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب 35، الأضاحي، باب (5)، بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث أول الإسلام، وبيان نفحه وإباحته إلى متى شاء، حديث رقم 1971، ص878.

([27]) انظر، الآمدي، الإحكام، ج2، ص250، الرازي، المحصول، ج2، ص329.

([28]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص248-250. الرازي، المحصول، ج2، ص328. العجلي، الكاشف عن المحصول، ج6، ص360-361.

([29]) انظر، المراجع السابقة، الأماكن نفسها.

([30]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص248-250. الرازي، المحصول، ج2، ص328. العجلي، الكاشف عن المحصول، ج6، ص360-361.

([31]) انظر : الرازي، المحصول، ج2، ص328. الآمدي، الإحكام، ج2، ص250.

([32]) هذا موضع إجماع بين المسلمين بفرقهم المختلفة، لكن الخلاف في كون ذلك بطريق الوجوب عليه سبحانه وتعالى كما هو مذهب المعتزلة، أم تفضلاً منه وإحساناً كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. (انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص250. الرازي، المحصول، ج2، ص330. علي بن عبد الكافي السبكي (ت 756ﻫ) وعبد الوهاب بن علي السبكي، (ت 771ﻫ) الإبهاج في شرح المنهاج، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 1995م، ج3، ص62)، البيضاوي، منهاج الوصول إلى علم الأصول، ص523.

([33]) انظر، الآمدي، الإحكام، ج2، ص250، السبكي، الإبهاج، ج3، ص62.

([34]) انظر: الرازي، المحصول، ج2، ص332. السعدي، مباحث العلة، ص404-405.

([35]) انظر: علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730ﻫ)، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، وضع حواشيه عبد الله محمود عمر، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1، 1997، ج4، ص46. الآمدي، الإحكام، ج2، ص245. السعدي، مباحث العلة، ص437.

([36]) انظر، الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود على مراقي السعود، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط- المغرب، ج2، ص192، الأنصاري، عبد العلي محمد بن نظام الدين، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت مطبوع مع المستصفى، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر المحمية، ط1، 1324ﻫ، ج2، ص264.

([37]) انظر: السبكي، الإبهاج، ج3، ص65. البخاري، كشف الإسرار، ج4، ص46. الشوكاني، إرشاد الفحول، ص218-219. الآمدي الإحكام، ج2، ص242. الايجي، شرح العضد، ص322-323، ابن السبكي، جمع الجوامع، ج2، ص286. الشنقيطي، نشر البنود، ج2، ص192. البيضاوي، منهاج الوصـول إلى عـلم الأصـول، ص525. العجـلي، الكاشف عن المحصول، ج6، ص152-153.

([38]) انظر، المراجع نفسها، الأماكن ذاتها.

([39]) انظر: الرازي، المحصول، ج2، ص450-451. الأسنوي، نهاية السول، طبعة دار الكتب العلمية- بيروت، ج3، ص218-219. الخضري، محمد، أصول الفقه، دار الفكر- بيروت 1988، ص359. خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، مكتبة الزهراء- الجزائر، ط1، 1990، ص229.

([40]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص242-243. الرازي، المحصول، ج2، ص325-326.

([41]) انظر: الايجي، شرح العضد، ص323. العطار، حسن العربي، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، مطبعة مصطفى محمد، 1358ﻫ، ج2، ص232. أمير بادشاه، تيسير التحرير، ج3، ص309.

([42]) انظر: المراجع نفسها، الأماكن ذاتها. السبكي، الإبهاج، ج3، ص65، الرازي، المحصول، ج2، ص326. الأنصاري، فواتح الرحموت، ج2، ص264. محمد أبو النور زهير، أصول الفقه، ط2006، المكتبة الأزهرية للتراث- القاهرة، ج2، ص82.

([43]) انظر، الشوكاني، إرشاد الفحول، ص218-219.

([44]) انظر: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، تحقيق: محمد حسن الشافعي، ط1، 1998م، دار الكتب العلمية، ج1، ص188. ابن نجيم، زين العابدين بن إبراهيم، الأشباه والنظائر، مؤسسة الحلبي، القاهرة، 1968م، ص90.

([45]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص243. السعدي، مباحث العلة، ص438. الأنصاري، فواتح الرحموت، ج2، ص264. السبكي، الإبهاج، ج3، ص65-66.

([46]) انظر: الرازي، المحصول، ج2، ص327. الايجي، شرح العضد، ص323. الأنصاري، فواتح الرحموت، ج2، ص264

([47]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص242.

([48]) انظر: الرازي، المحصول، ج2، ص327 . العجلي، الكاشف عن المحصول، ج6، ص353-354.

([49]) الشاطـبي، إبراهيم بن موسى اللخـمي الغـرناطي المالكي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص25-26.

([50]) انظر: الرازي، المحصول، ج2، ص326. الجزيري، معراج المنهاج، ص525-526، الآمدي، الإحكام، ج2، ص242. العجلي، الكاشف عن المحصول، ج6، ص353.

([51]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص244. أمير بادشاه، تيسير التحرير، ج3، ص309، السعدي، مباحث العلة، ص441.

([52]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص244.

([53]) انظر: الرازي، المحصول، ج2، ص327.

([54]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص234.

([55]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج2، ص243-244.

([56]) انظر المرجع نفسه.