نشرة الإفتاء - العدد 45 أضيف بتاريخ: 22-06-2023

التقرير الإحصائي السنوي 2022 أضيف بتاريخ: 29-05-2023

المذهب الشافعي في الأردن أضيف بتاريخ: 23-05-2023

عقيدة المسلم - الطبعة الثالثة أضيف بتاريخ: 09-04-2023

مختصر أحكام الصيام أضيف بتاريخ: 16-03-2023

أثر جودة الخدمات الإلكترونية أضيف بتاريخ: 29-12-2022

مختصر أحكام زكاة الزيتون أضيف بتاريخ: 14-11-2022

نشرة الإفتاء - العدد 44 أضيف بتاريخ: 06-10-2022




جميع منشورات الإفتاء

الترويج للشذوذ الجنسي أضيف بتاريخ: 31-01-2024

أهمية الأمن الفكري أضيف بتاريخ: 09-01-2024

دور الذكاء الاصطناعي أضيف بتاريخ: 06-12-2023

التربية العقلية أضيف بتاريخ: 26-10-2023

سلسة قيم الحضارة في ... أضيف بتاريخ: 10-10-2023

المولد النبوي الشريف نور أشرق ... أضيف بتاريخ: 26-09-2023

النبي الأمي أضيف بتاريخ: 26-09-2023

اقتصاد حلال: موسوعة صناعة حلال أضيف بتاريخ: 05-09-2023




جميع المقالات

دراسات وبحوث


أضيف بتاريخ : 24-11-2013


المسوغات الشرعية لكتمان الشهادة (*)

الدكتور نمر محمد نمر/ كلية الشريعة، جامعة آل البيت

ملخص

تبحث هذه الدراسة في الحالات التي يجوز فيها كتمان الشهادة، إذ تتناول مفهوم الكتمان وحكمه، وقد حصرت الحالات التي يشرع فيها للمكلف أن يكتم الشهادة، ويعدل عنها، وذكرت الأدلة عليها من الكتاب والسنة والمعقول، كما بينت انسجام الحكم الأصلي وهو وجوب أو مندوبية أداء الشهادة، والحكم الاستثنائي وهو جواز كتمانها في بعض الحالات، وهي تظهر رحمة هذه الشريعة، وعدالتها بتحقيق مصالح المكلف في جميع أحكامها.

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد فقد ثبت لكل مطلع على هذه الشريعة شمولها وربانيتها، وعدالتها ورحمتها، فهي تحقق مصلحة المكلف، وتجيب عن أسئلته، وتحل مشكلاته، وتغطي أحواله جميعاً، العادية والطارئة، حتى يبقى المكلف على الدوام في ظلالها. ومن جوانب أهمية هذا البحث أنه يبين الحكم الشرعي للشهادة عندما تكون مطلوبة من المرء، ومتى يجوز له عدم أدائها.

وقد قمت بحصر الحالات التي يسوغ فيها للمكلف عدم أداء الشهادة وبينت حكم الشهادة وحكم كل حالة يشرع فيها ترك الشهادة وذكرت الأدلة النقلية والعقلية عليها.

ولم أجد في حدود إطلاعي من القدماء والمحدثين من أفرد هذه المسألة بهذا الشكل الذي يجمع الحالات التي يجوز فيها عدم أداء الشهادة، ويبين أحكامها ويستدل لها، وقد جاء هذا البحث في تمهيد وثمانية مطالب وخاتمة.

المطلب التمهيدي: في تعريف الشهادة وكتمانها وأحوالها.

المطلب الأول: كتمان الشهادة في الحدود.

المطلب الثاني: كتمان الشهادة في حق الآدمي إن لم يطلبها.

المطلب الثالث: كتمان الشهادة إذا وجد من يقوم بها سواه.

المطلب الرابع: كتمان الشهادة إذا لحق الشاهد ضرر.

المطلب الخامس: كتمان الشهادة إذا أدت إلى الظلم.

المطلب السادس: كتمان الشهادة إذا كان الحاكم لا يقبل شهادته.

المطلب السابع: كتمان الشهادة إذا كانت لا تنفع.

المطلب الثامن: كتمان الشهادة في القانون.

الخاتمة: وقد بينت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها.

المطلب التمهيدي

في تعريف الشهادة وكتمانها وأحوالها

أمر الله تعالى في كتابه الكريم بإقامة الشهادة، قال تعالى:(وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)[2: الطلاق]، وقال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)[2: الطلاق]، ونهى عن كتمانها فقال: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ)[283: البقرة]، وذلك لأهميتها في الأحكام الشرعية، فهي وسيلة لإيصال الحقوق إلى أصحابها، وطريق لإزالة الخصومات، وفض النزاعات، وغير ذلك من الحِكََم.

وإقامة الشهادة أصل عام يطلب من المكلفين القيام به، لكن هذا الأصل يعتريه استثناءات يجوز عندها عدم إقامتها، ويسوغ للمكلف كتمانها والعدول عنها في ظروف خاصة، وحالات استثنائية، ونحاول في بحثنا هذا أن نبين الحالات التي يشرع للمكلف فيها كتمانها، حتى يكون المكلف على علم تام بالمواطن التي تشرع فيها إقامتها، والحالات التي يشرع فيها العدول عنها وتركها.

ولقد جاء ذكر الشهادة وأحكامها في القرآن الكريم في مواطن كثيرة، كما ذكرت أحكامها وفصلت في كثير من الأحاديث النبوية، مما يدل على أهميتها وكثرة الأحكام المتعلقة بها، وشدة الحاجة إليها، ومن هذه الآيات قوله تعالى:(وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)[282: البقرة].

وقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)[282: البقرة]، ونهت الآية التي بعدها عن كتمان الشهادة، قال تعالى:(وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)[283: البقرة].

وكذلك آيات أخرى كثيرة تبين الشهادة في الحدود والوصية والطلاق وغيرها من المعاملات، كما تبين نصاب الشهادة، وصفات الشاهد، وإقامتها بالعدل، ووردت كذلك في الأحاديث النبوية الشريفة، وهذا يستلزم معرفة أحكام الشهادة التي منها جواز العدول عنها وتركها. ويستدعي تعريف الشهادة وكتمانها وأحوال الشهادة ونوجز ذلك فيما يأتي:

الفرع الأول: تعريف كتمان الشهادة:

لابد لنا قبل الدخول في أحكام الكتمان ومسائله من تعريف كتمان الشهادة على سبيل الإفراد وعلى أساس أنها مركب إضافي:

أولاً: تعريف الكتمان:

الكتمان في اللغة: من الفعل الثلاثي كتم, وكتم الشيء كتماً ستره وأخفاه , قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ)[140: البقرة]، والكتمان الإخفاء قال صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما"([1]) فقد جاء الكتمان في الحديث مقابلاً للبيان.

والكتمان نقيض الإعلان، ناقة كتوم لا ترغو إذا ركبت([2]).

ويظهر فيما تقدم أن الكتمان يدل على الستر والإخفاء والإمساك عن البيان، وإذا أسند إلى الشهادة دل على إخفائها وسترها وعدم القيام بها.

وذكر الإمام النسفي أن كتمان الشهادة أن يضمرها بالقلب ولا يتكلم بها([3]).

وهذا الذي ذكره النسفي يشكل مفهوما صحيحا للكتمان، حيث يعزم الشاهد بقلبه على ترك أداء الشهادة بلسانه ولذا فقد أُسند الكتمان إلى القلب لأن القلب هو الأصل في عملية الكتمان، قال تعالى: (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [283: البقرة].

ثانياً: تعريف الشهادة لغة واصطلاحاً:

الشهادة في اللغة: شهد بمعنى أخبر، وحضر، وعاين.

والشهادة: خبر قاطع، وشهد بكذا أي أدى ما عنده، وشهد الشيء: أي عاينه قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[185: البقرة]، وشهد المجلس: أي حضره.

قال تعالى: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)[2: النور]، وقد يعبر بالشهادة عن الحكم قال تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)[26: يوسف].

وشهد الشاهد عند الحاكم أي بين ما يعلمه وأظهره، وأصل الشهادة الإخبار بما شاهده، قال تعالى:(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[78: الإسراء]، أي تحضره ملائكة الليل وملائكة النهار([4]).

مما تقدم نرى أن معنى الشهادة في اللغة يدور حول الإخبار والحضور والمعاينة والحكم.

وأما الشهادة اصطلاحاً: فقد عرفها ابن الهمام من الحنفية: "بأنها إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء"([5]).

ويؤخذ على هذا التعريف قصر الشهادة على مجلس القاضي، وفيه "دور" حيث ورد في ثناياه لفظ المعرف.

وعرفها الدردير من المالكية بأنها: "إخبار حاكم عن علم ليقضى بمقتضاه"([6]).

وعرفها الأنصاري: بأنها إخبار عن شيء بلفظ خاص([7]).

وهذا التعريف لا يحدد مكان الشهادة حيث أن موقعها مجلس القضاء أو مجلس الحكمين، ولم يذكر صدق الخبر، ولا المقصد من الشهادة، ولا أن الإخبار صادر عن علم.

وعرفها البهوتي من الحنابلة: "بأنها الإخبار بما علمه بلفظ خاص"([8]).

وهذا التعريف لم يذكر الجهة التي تكون عندها الشهادة، ولا المقصد منها.

والذي أرجحه هو تعريف الدردير فهو أشمل هذه التعريفات وأدقها، فقد بين أنها إخبار عن علم لتخرج بذلك شهادة الزور، والشهادة عن غير علم، وذكر الجهة التي يشهد عندها فشملت الشهادة عند القاضي، وعند الحكمين, وذكر المقصد منها وهو القضاء بمقتضى هذه الشهادة، ليصل الحق إلى صاحبه، وإذا كان القضاء يبنى عليها فتكون في كل ما يقضى به من حقوق الله وحق الآدمي والمنافع والأعيان.

ثالثا: كتمان الشهادة في الاصطلاح:

تبين لنا مما سبق أن معنى الكتمان يدور حول الستر والإمساك والإخفاء، وإذا أسند هذا اللفظ للشهادة فإنه يتناول عدم الإخبار بها، فيتحدد على ضوء ذلك معنى كتمان الشهادة بأنه: الإمساك عن إخبار حاكم عن علم بحيث يحول ذلك بين الحاكم والقضاء بمقتضاه.

فكان إمساك الشاهد عن الإخبار بهذا العلم مانعا للحاكم أن يقضي بما أمسك عنه الشاهد.

الفرع الثاني: أحوال الشهادة وحكمها والأدلة عليها:

أولا: أحوال الشهادة:

للشاهد في الشهادة حالان هما، التحمل والأداء.

يقول ابن فرحون: فللشهادة حالتان، حالة تحمل، وحالة أداء، فأما التحمل وهو أن يدعى ليشهد ويستحفظ الشهادة فإن ذلك فرض كفاية يحمله بعض الناس عن بعض حيث يفتقر إلى ذلك، ويخشى تلف الحق بعدم الشهادة،...

وأما الأداء وهو أن يدعى ليشهد بما علمه واستحفظ إياه فإن ذلك واجب عليه([9]) وقد صرح كثير من الفقهاء بالوجوب في حالة التحمل والأداء([10]).

ومن لم يصرح بالوجوب في الحالتين كان كلامه يتضمن ذلك، لأنه إذا قال بوجوب الأداء فالتحمل يتعين طريقاً لهذا الأداء، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

يقول ابن عطيه: حذف المتعلق عند قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ)[282: البقرة[ لإفادة شمول ما يدعون لأجله من تحمل عند قصد الإشهاد، ومن أداء عند الاحتياج إلى البينة([11]).

وهذا حكم بوجوب الشهادة إذا كانت في حقوق العباد([12]) كما أنها تتناول حكم الشهادة في الأحوال العامة وعند تحقق الشروط، أما الحالات الاستثنائية فلها حكم آخر وذلك ما سنوضحه في الحالات التي يُشرع فيها كتمان الشهادة.

ثانيا: حكم الشهادة:

القيام بالشهادة واجب على المكلف إذا علم ذهاب الحق بتأخر الشاهد، وقد تأخذ حكم الندب أو الإباحة إذا كثر الشهود وأمن تعطيل الحق وكما في الحدود وغيرها وسنبين هنا حكمها في حالة الوجوب أما حالات الندب والإباحة، فسوف نأتي عليها في حالات كتمان الشهادة، يقول الإمام الطبري في تأويل قوله تعالى: (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ)[135: النساء] أي تعدلوا عن الحق فتجوروا بترك أمانة الشهادة بالحق([13]).

والجور وترك الأمانة كل منهما محرم، وواجب على المكلف أن يترك المحرم، فيكون القيام بها هو العدل، وكذلك فإن أداء الأمانة من الواجبات الشرعية.

ويقول الجصاص: ويلزم إقامتها على طريق الإيجاب إذا لم يجد من يشهد غيره، وهو فرض كفاية كالجهاد والصلاة على الجنائز([14]).

وقد صرح بالوجوب إذا تعينت الشهادة على الشخص فلم يوجد غيره وعند تحقق الشروط كثير من فقهاء المذاهب([15]).

وهذا الوجوب قد يكون عينياً إذا لم يوجد غيره، أو لم يتحقق نصاب الشهادة، وقد يكون كفائياً إذا وجد غيره([16]).

يقول ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ)[282: البقرة] والآية كما قال الحسن جمعت أمرين على جهة الندب فالمسلمون مندوبون إلى إعانة إخوانهم، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود، والأمن من تعطيل الحق، فالمدعو مندوب، وله أن يتخلف لأدنى عذر فلا إثم عليه، ولا ثواب له وإذا كانت الضرورة، وخيف تعطيل الحق أدنى خوف قوي الندب، وقرب من الوجوب، وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، لا سيما إن كانت محصلة، وكان الدعاء إلى أدائها، فإن هذا الظرف آكد، لأنها قلادة في العنق، وأمانة تقتضي الأداء"([17]) ومن هنا فإن المقصد الذي تحققه الشهادة من تحصيل الحقوق وإيصالها إلى أصحابها يجعلها واجبة، فإذا تعينت الشهادة طريقاً إلى تحصيل الحق كانت واجبة، لأن إيصال الحق إلى صاحبه من الواجبات الشرعية، ومن المقاصد التي قررها الشارع.

ثالثا: الأدلة على وجوب الشهادة:

يمكن أن يستدل على وجوب الشهادة في الحالات العامة عند تحقق الشروط وانتفاء الموانع بالقرآن والسنة والمعقول ومن ذلك ما يأتي:

الأدلة من القرآن الكريم:

1. قوله تعالى: (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ)[135: النساء] وجه الدلالة: الآية تنهى المكلف عن اتباع الهوى ومجاوزة العدل، فيجب عليه التزام العدل بأداء الشهادة، قال الإمام الطبري عند تفسير هذه الآية: "أي عن الحق فتجوروا بترك أمانة الشهادة"([18]).

ومن الواجبات الشرعية على المكلف أن يترك الجور، وأن يؤدي الأمانة.

2. قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ)[282: البقرة] والآية تنهى المكلف عن الامتناع عن تلبية الدعوة للشهادة، والنهي يدل على التحريم، ويقابلها الإيجاب، فلا يخلص المكلف من النهي السابق إلا إذا قام بها تحملاً وأداءً، قال القونوي عند ذكر الآية السابقة: "إذ النهي عن الإباء عند الدعاء أمر بالحضور عند الدعاء"([19]).

3. قوله تعالى: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)[283: البقرة].

فلا يخلص المكلف من الإثم إلا بالقيام بها، ويجب على المرء أن يخلص نفسه من الإثم وينأى عن الحرام الذي تنهى عنه الآية، قال الشوكاني: "ومن الكبائر كتمان الشهادة، لأن الله تعالى يقول:(وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)[283: البقرة]([20]).

الأدلة من السنة النبوية:

1. عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قـال: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها"([21]).

وجه الدلالة: الحديث يرغب المكلف بالمبادرة إلى أداء الشهادة، لأن من مقاصدها إيصال الحق إلى صاحبه.

وقد وجه الفقهاء هذا الحديث توجيهات متعددة نذكر منها:

* أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلمه، أو يموت صاحب الحق ويخلف ورثة لا يعلمون هذا الحق، فيأتي الشاهد يخبرهم بهذا الحق([22]).

* أنه محمول على شهادة الحسبة في غير حقوق الآدميين، كالطلاق والعتق والوقف والوصايا العامة والحدود([23]).

* وجه ثالث أنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله، كما يقال: الجواد يعطي قبل السؤال، أي يعطي سريعاً([24]).

وعلى جميع الأحوال والتوجيهات السابقة فإنه يطلب القيام بالشهادة، إذ الرسول يخبر عن صفات أفضل الشهداء أنه الذي يبادر بها، حيث تحقق هذه المبادرة إيصال الحقوق إلى أصحابها.

2. روى وائل بن حجر قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي، فليس له فيها حق، فقال النبي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه، قال يا رسول الله: الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، قال: ليس لك إلا ذلك، قال: فانطلق الرجل ليحلف له، فقال صلى الله عليه وسلم لما أدبر: لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله تعالى وهو عنه معرض([25]).

والحديث فيه دلالة على مشروعية الشهادة وموطن الشاهد في الحديث سؤال الرسول للحضرمي "ألك بينة؟" والشهادة بينة وهى طريق لإثبات الحق، وإيصال الحق إلى صاحبه من مقاصد الشرع، وإذا كان إيصال الحق واجباً فقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الشهادة أول الطرق لإيصال هذا الحق إلى صاحبه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

3. قال صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه"([26]).

وجه الدلالة: ورد الحديث في معرض خصومة بين رجلين فجعل صلى الله عليه وسلم الشهادة الطريق الأول لرفع الخصومة وإيصال الحق إلى صاحبه، ورفع الخصومات وإثبات الحقوق من الواجبات الشرعية.

ثالثاً: العقل: ويمكن أن يستدل هنا بما يأتي:

1. هذه الشريعة لها مقاصدها وغاياتها، فهناك مقاصد عامة للشريعة، وهناك مقاصد خاصة لكل حكم من أحكامها، وهذه المقاصد العامة والخاصة، تلتقي وتتعاضد.

ومصلحة المكلف في العاجل أو الآجل أو فيهما معاً، مقصد شرعي من كل حكم من أحكام هذه الشريعة، يقول ابن تيميه: "إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها"([27]).

وأداء الشهادة باختلاف أحكامها وأحوالها، من أحكام الشريعة التي تتحقق فيها المقاصد الشرعية العامة للشريعة، والمقاصد الخاصة للأحكام.

وفي قيام الشهادة صلاح الدين والدنيا، يقول الجصاص: "وآية الدين بما فيها من ذكر الاحتياط بالكتاب والشهود المرضيين والرهن تنبيه على موضع صلاح الدين والدنيا معه، فأما في الدنيا فصلاح ذات البين، ونفي التنازع والاختلاف، وفي التنازع والاختلاف فساد ذات البين وذهاب الدين والدنيا([28])، قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [46: الأنفال].

وبالشهادة يقل الخلاف والتنازع، وتسهل معرفة الكاذب من غيره ليعامـل كلٌ بما يستحـق، وفي ذلك صلاح دين المكلف ودنياه.

كذلك إذا ارتفعت الشهادة والبينات ربما طلب صاحب الحق أكثر من حقه، واستخدم وسائل كيدية للطرف الآخر، وذلك إضرار بالطرفين، وارتكاب للمحرم، وفساد ذات البين، وكل ذلك مفسد لدنيا المكلف وأخراه([29]).

2. لو جاز لكل أحد أن يمتنع عنها لبطلت الوثائق، وضاعت الحقوق وكان فيه سقوط ما أمر الله به وندب إليه من التوثيق بالكتاب والإشهاد([30]).

3. الشهادة أمانة فيجب أداؤها كسائر الأمانات([31]).

4. تقرر وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأدلة القطعية، ووجب أداء الشهادة من هذا القبيل، لاسيما عند خشية فوت الحق([32]) وبهذا يشهد لوجوبها شواهد الأمر بالمعروف وأدلته لأنها داخلة تحته.

الحالات التي يُشرع فيها للمكلف كتمان الشهادة:

إذا تحققت في الشاهد شروط الشهادة وانتفت الموانع، وجبت عليه الشهادة تحملاً وأداءً إذا تعينت على الشخص كما رأينا، لكن الشريعة فيها الحكم الأصلي والاستثناء منه، وفيها تخصيص العام، وتقييد المطلق، وكما تراعى الظروف العادية تراعى الظروف الطارئة، وسنحاول بإذن الله بيان الحالات التي يجوز فيها للشاهد أن يكتم الشهادة في المطالب الآتية:

المطلب الأول

 كتمان الشهادة في الحدود

يجوز للشاهد ألا يشهد في الحدود ترغيباً في الستر، وقد قال بذلك جمهور من الفقهاء([33]).

والفقهاء في هذه الحالة بين مجيز للكتمان ومستحب له وكل ذلك في دائرة المشروعية.

قال المرغيناني([34]): والشهادة في الحدود يخيّر فيها الشاهد بين الستر والإظهار، لأنه بين حسبتين، إقامة الحد والتوقي من الهتك، والستر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده: "لو سترته بثوبك لكان خيراً لك"([35]).

ومن الذين نصوا على الإباحة الحنابلة: قال ابن مفلح: من كان عنده شهادة في حد من حدود الله أبيح له أقامتها ولم يستحب، وللحاكم أن يعرض له بالوقوف عنها في أحد الوجهين([36]).

وفي حد السرقة يستحب للشاهد ألا يشهد بالسرقة بل يشهد بأخذ المال، إحياءً لحق المسروق منه، ولا يقول سرق، محافظة على الستر، ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع، والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء لحقه([37]).

وبذا فان الشهادة بأخذ المال توصل الحق إلى صاحبه، وذلك مقصد شرعي، ولا توجب الحد فيتحقق بذلك الستر.

وكتمان الشهادة في الحدود لا يعارض، قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[19: النور]، لأن ظاهرها أن الكافرين يحبون إشاعة الفاحشة في المؤمنين لأجل إيمانهم، ولأن مقصود الشاهد من كتمان الشهادة في الحدود ارتفاع الفاحشة لا إشاعتها([38]).

وهناك صور من الشهادة في الحدود يجب أداء الشهادة فيها فتبقى على أصلها منها:

أولا: من عرف بالشر والفساد، فيتوجه فيه جانب إقامة الشهادة، وعدم الستر([39])، ووجه ذلك أنه مجاهر، وهو معروف بخطورته، فهو لم يسع إلى الستر، وفي إقامة الحد عليه زجر له ولأمثاله، فلا يجوز هنا كتمان الشهادة، بل يترجح حكم الأصل وهو تحريم الكتمان.

ثانيا: يجب على شاهد الزنا أن يشهد إذا تعلق بترك الشهادة حد، كما إذا شهد ثلاثة بالزنا([40])، وفي هذه الحالة إذا امتنع الشاهد الرابع عنها أقيم حد القذف على الشهود الثلاثة، فأن يشهد الرابع بالزنا ويقام الحد على الزاني أولى من أن يكتم الشهادة ويحد الثلاثة حد القذف، وهذه الحالة يترجح فيها حكم الأصل، وهو أداء الشهادة، وليس الكتمان الذي هو الاستثناء، لذا فإن كتمان الشهادة في الحدود يقصد به الستر، والشهادة على المجاهر يقصد بها زجر العصاة، وإزالة المعصية، فكان كل منهما حكم (الأصل والاستثناء) محققاً مقصود الشارع.

الأدلة على جواز كتمان الشهادة في الحدود:

هناك أدلة شرعية عدة يمكن أن يستدل بها لهذه المسألة ومنها:

1. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ادرؤوا الحد عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرجٌ فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطيء في العفو خير من أن يخطيء في العقوبة"([41]).

وجه الدلالة في الحديث: أن الحد إذا رفع بالشبهة، فعدم الشهادة به محقق للدرء، وفي الحديث ترغيب في درء الحد، وأن يخطيء الإمام في العفو خير من أن يخطيء في الحد.

2. قوله  صلى الله عليه وسلم: "لو سترته بثوبك لكان خيراً لك" ([42]).

وجه دلالة الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوجه الشاهد في الحد إلى ترك الشهادة، وأن سعيه إلى الستر بتركها أفضل، والمكلف يجب أن يسعى إلى الأفضل.

3. الشاهد مأمور بالشهادة بالأدلة العامة كما مر بنا، وهو مأمور بالستر أيضاً في جرائم الحدود، والأمر بالستر هو تخصيص للعام، فيترجح جانب الستر في الحدود على إظهار الشهادة.

قال ابن الهمام: فكان كتمان الشهادة في الحدود مخصوص من عموم تحريمه([43]).

والحنفية لا يخصصون عام القرآن إلا بالقطعي أو الحديث المشهور، وقد بلغت الأخبار التي وجهت الشاهد إلى الستر في الحدود حد الشهرة فهي تخصص عام القرآن([44]).

4. الحدود حق لله، والله تعالى موصوف بالغنى والكرم، وحق الله مبني على المسامحة، فجاز أن يختار الشاهد جانب الستر([45]).

والذي نرجحه في هذه المسألة هو استحباب كتمان الشهادة في الحدود وتغليب جانب الستر ما دام من وقع في الحد غير مجاهر، للأدلة السابقة، وهي صريحة في هذا الباب، ولأن الأدلة التي أمرت بالستر أدلة خاصة، والأدلة التي أمرت بإقامة الشهادة أدلة عامة، والخاص يقدم على العام، والأخذ بالأدلة التي أمرت بالستر يتحقق فيه الجمع بين الأدلة، وإعمال الدليل أولى من إهماله.

المطلب الثاني

كتمان الشهادة في حق الآدمي إن لم يطلبها

قد يكون الآدمي عالماً بحقه أو غير عالم به، ولذا فسنقسم هذا المطلب إلى فرعين:

الفرع الأول: أن يعلم صاحب الحق بحقه ولم يطلبه.

إذا علم صاحب الحق بحقه ولم يطلبه فللشاهد ترك الشهادة، قال ابن جزي: "لا يبتدأُ فيه بالأداء (أداء الشهادة) حتى يدعى، فإن دعي إليه أدى، وإن سكت عنه ترك ذلك، وإن بدأ بها قبل أن يدعى إليها لم تقبل منه، وذلك في حقوق الناس بعضهم على بعض"([46]).

وقال المقدسي: "من كانت عنده شهادة لآدمي عالم بها لم يشهد حتى يسأله صاحبها، وإن لم يعلم بها استحب إعلامه بها"([47])، ومن الأدلة على مشروعية الكتمان في هذه الحالة:

1. قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ) [282: البقرة] وجه الدلالة: الآية تنهى المكلف عن ترك الشهادة حين يدعى لها وإذا كان النهي يفيد التحريم فما يقابله هو الإيجاب إذا دعي لها، ولا يتحقق الوجوب إذا لم يدع لها.

قال ابن مفلح الحنبلي: فإن كان الحق لأدمي معين لم تسمع الشهادة منه إلا بعد تقديم الدعوى... لأن الشهادة فيه حق لآدمي، فلا يستوفى إلا بمطالبته وإذنه، ولأنه حجة على الدعوى، ودليل لها فلا يجوز تقديمها عنها([48])، فلا حرج على الشاهد ترك أدائها ما لم يسألها، حداً كانت أو غيره([49]).

2. قوله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون ويشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون"([50]).

وجه الدلالة: لقد ذم الحديث من بادر بالشهادة قبل أن تطلب منه، ويحمل هذا على حق الآدمي إن لم يطلبها وهو عالم بها([51]).

الترجيح:

والذي نرجحه في هذه الحالة هو ترك الشهادة للأدلة التالية:

1. إن الأمر في الآية المتقدمة قد ارتبط بشرط، إذ طلب المدعي شرط لأداء الشهادة، وإذا لم يتوفر الشرط لم يتحقق المشروط، وقد نصت المادة رقم (1696) من مجلة الأحكام العدلية على هذا حيث جاء فيها: "يشترط سبق الدعوى في الشهادة بحقوق الناس".

2. من المقررات الشرعية أن لصاحب الحق التنازل عن حقه، فإذا لم يطلبه مع علمه به، فقد تنازل عنه، ولا محل عندها للشهادة.

3. السبب يرتبط بالمسبب، فلا يتحقق المسبب من غير تحقق سببه، وسبب الشهادة هو طلب صاحب الحق حقه، أو خوف ضياعه، لذا فإن الشهادة لا تجب إلا إذا تحقق السبب.

قال ابن نجيم: وسبب وجوبها طلب ذي الحق أو خوف فوت حقه([52]).

ومن الفقهاء من اعتبر خوف فوت الحق سبباً إذا كان صاحب الحق لا يعلم كونه شاهداً([53]) وقد ذكر ابن الهمام أن سببها هو خوف فوت الحق وأن سببية الطلب إنما تثبت كي لا يفوت الحق([54]).

الفرع الثاني: أن لا يعلم صاحب الحق به.

إذا لم يعلم صاحب الحق بحقه أو كان ورثته لا يعلمون بحقه فللعلماء في هذه المسألة قولان:

القول الأول: يستحب للشاهد إعلامه ويباح له أداؤها قبل إعلامه([55])، قال المقدسي: وإن لم يعلم بها استحب إعلامه بها([56]).

القول الثاني: يجب على الشاهد إعلامه([57]) قال ابن نجيم: إنما يلزم أداؤها بشروط، الأول طلب المدعي فيما كان من حقوق العباد حقيقة أو حكماَ وإنما قلنا أو حكماَ ليدخل من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق فإنه يجب عليه أن يشهد بلا طلب([58]).

أدلة القول الأول:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها"([59]).

وقد مر بنا هذا الحديث في أدلة وجوب الشهادة وتوجيهات العلماء فيه والتي منها أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلمه، أو يموت صاحب الحق ويخلف ورثة لا يعلمون هذا الحق، فيأتي الشاهد يخبرهم بهذا الحق أدلة القول الثاني:

1. قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ) [282: البقرة] وجه الدلالة أن عدم العلم بها يقوم مقام الدعوة لها إذا علمها، إذ الدعوة إليها تكون حقيقة أو حكماً كما مر بنا.

2. استدل ابن العربي بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"([60])، فقد تعين نصره بأداء الشهادة التي هي عنده إحياء لحقه([61]).

والذي نرجحه في هذه المسألة أن صاحب الحق إن كان لا يعلم بحقه يندب للشاهد إعلامه، ولا يجب عليه بعد ذلك تقديمها على الدعوى، فصاحب الحق هو الذي يرفع الدعوى فإن أقامها لزمت الشهادة وإلا فلا، وهذا هو الأوفق للمقاصد الشرعية في إظهار الحقوق، ولأن صاحب الحق هو الأولى بحقه وله إسقاطه والعفو عنه.

المطلب الثالث

كتمان الشهادة إذا وجد من يقوم بها سواه

لقد تبين لنا أن المقصد الرئيس من الشهادة هو إيصال الحق إلى صاحبه، فإذا تعينت الشهادة وسيلة لإيصال هذا الحق كانت واجبة، وهذا التحصيل يتحقق بنصاب الشهادة، فإذا توفر شهود يتحصل بهم الحق جاز لمن سواهم من الشهود أن يتخلف عنها.

قال ابن الهمام: "إن كان في الصك جماعة تقبل شهادتهم وسعه أن يمتنع, وإن لم يكن أو كان لكن قبولها مع شهادته أسرع، وجب"([62]).

وقال ابن جزي: "فلا يجب على الشاهد أن يتحمل إلا أن يفتقر إليه، ويخشى تلف الحقوق لعدمه"([63]).

قال الشيرازي: "فهي فرض على الكفاية فإن قام بها من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين لأن المقصود بها حفظ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم"([64]).

وقال ابن قدامه: "فإن قام بالفرض في التحمل أو الأداء اثنان سقط عن الجميع وإن امتنع الكل أثموا"([65]).

ويستدل من الأقوال السابقة للفقهاء اتفاقهم على هذه الحالة، فإن تحصلت الشهادة بغيره أبيح له تركها.

الأدلة على هذه الحالة:

1. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ)[135: النساء].

وجه الدلالة: تطلب الآية من المكلف أن يكون قائماً بالقسط بأداء الشهادة، فإذا قام بها غيره كفاه هذا الواجب كما هي فروض الكفايات.

يقول الجصاص: "نهى الله الشاهد بهذه الآية عن كتمان الشهادة لأنه يؤدي إلى تضييع الحقوق، وهي فرض على الكفاية، فإذا لم يكن من يشهد على الحق غير هذين فقد تعين عليهما فرض أدائها"([66]).

وقال الأسيوطي: "وإذا دعي إلى الشهادة جماعة فأجاب اثنان سقط الفرض عن الباقين، لأن القصد من الشهادة التوثق.. وذلك يحصل بشاهدين([67])، فإذا توفر النصاب الذي يتحصل به الحق لا تجب الشهادة على سواهم، فيسوغ لهم تركها، والعدول عنها.

2. التوثيقات أساس في كثير من المعاملات، والشهادة من أهم هذه التوثيقات، قال تعالى: (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)[282: البقرة] فلو رفعت لرفع معها جانب مهم من المعاملات، كالقرضِِِِِِ والمبايعات والمشاركات والمناكحات، فإذا علم الإنسان أنه على ثقة من الوصول إلى حقه، وتحقق مصلحته أقدم على العمل والتعامل، وإذا علم خلاف ذلك أحجم، وفي ذلك حرج وفوات للمصلحة، وإذا توفر العدد الكافي من الشهود تحصل الحق، وتحققت المصالح.

3. تحديد التوثيق من أعظم وسائل الثقة بين المتعاملين وذلك من شأنه تكثير عقود المعاملات،... والتداين من أعظم أسباب رواج المعاملات، لأن المقتدر على تنمية المال قد يعوزه المال فيضطر إلى التداين، ليظهر مواهبه في التجارة([68]).

وبهذا التوثيق تسير عجلة المجتمع، وينتعش الاقتصاد، لأن ركود الحركة في المجتمع ضرر كبير، كذلك فإن حركته في الاتجاه غير الصحيح فيها أضرار وتجاوز على الحقوق، فكان في الشهادة حث للمجتمع على السير سيراً صحيحاً، وفيها قطع للخصومات والتجاحد، ولعل من حكم صلة آية الدين بما قبلها من آيات الربا أن التعامل بالربا حركة في الاتجاه غير الصحيح، والقرض وكتابة الدين وتوثيقه حركة في الاتجاه الصحيح، وهذا التوثيق متحقق بوجود العدد الكافي من الشهود، وما زاد عن حد الكفاية مشقة لا يقابلها مصلحة معتبرة.

المطلب الرابع

كتمان الشهادة إذا لحق الشاهد ضرر

لا تطلب الشهادة من الشاهد إذا لحقه ضرر غير معهود، يقول ابن قدامه: "وإنما يتأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر وكانت شهادته تنفع، فإن كان عليه ضرر في التحمل والأداء أو كان ممن لا تقبل شهادته... لم يلزمه([69])، لقوله تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) [282: البقرة].

ومن الأدلة على هذه الحالة:

1. قوله تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)[282: البقرة]، قال مجاهد والضحاك وطاووس وروى عن ابن عباس: معنى الآية ولا يضار كاتب ولا شهيد بأن يدعى الشاهد إلى الشهادة والكاتب إلى الكتابة وهما مشغولان، فإذا اعتذرا بعذرهما أخرجهما وآذاهما"([70])، فلا يجوز أن يجبر الشاهد على أداء الشهادة إذا لحقه ضرر غير معتاد.

2. حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"([71])، فالضرر مرفوع في الشريعة، ومن القواعد المقررة الضرر يزال، فلا يجوز أن ينظر إلى إقامة الشهادة بمعزل عن هذه الأدلة، والقواعد، والمقاصد الشرعية.

يقول ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)[282: البقرة]، يأتي الرجل يدعوهما إلى الكتابة والشهادة فيقولان إنا على حاجة، فيقول إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما([72]).

وقد أوضح الإمام الشوكاني ضابط هذا الضرر بأن يدعيا وهما مشغولان بمهم لهما ويضيق عليهما في الإجابة، ويؤذيان إن حصل منهما التراضي، أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد([73]).

وقد ذكر كثير من الفقهاء أن الشهادة تعتبر فرضاً عليه إن دعي وقدر بلا ضرر يلحقه في بدنه أو في عرضه أو ماله أو أهله([74]) لقوله تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)[282: البقرة] ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"([75]).

والذي نرجحه إباحة امتناع الشاهد عن الشهادة إذا لحقه ضرر غير معهود للأدلة السابقة، ولأن الشهادة إذا كانت نفعاً للغير وتعارضت مع ضرر النفس فإن حق النفس يقدم على حق الغير.

وإذا كان الضرر يساوي المصلحة المترتبة على الشهادة أو يزيد عنها جاز كتمانها، لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.

والذي نرجحه أن الضرر المعتبر شرعاً، الذي يسوِّغ كتمان الشهادة، أو عدم الإجابة إذا دعي لها هو الضرر الذي تفوت به مصلحة معتبرة شرعاً، أو يكون أكثر من الضرر المعتاد ويضبط ذلك العرف، وعلى ذلك تُنزَّل الأمثلة السابقة التي ذكرها الفقهاء، حيث يستأنس بها.

ويدخل في الضرر بعد المسافة، فإذا كانت المسافة فوق المعتاد جاز للشاهد أن يعدل عن الشهادة، يقول البهوتي: "ومن تحملها بحق آدمي لزمه أداؤها فيما دون مسافة القصر دون ما فوقها لما فيه من المشقة"([76]) ويقول ابن عابدين: وإذا كان موضع القاضي بعيداً عن موضع الشاهد بحيث لا يغدو ويرجع في يوم لا يأثم بعدم الأداء([77]).

وقال ابن جزي: "وأما أداء الشهادة فيجب على من تحملها متعيناً ودعي لأدائها من مسافة قريبة كالبريد والبريدين([78]) وقال ابن فرحون: وتعين عليه الأداء إذا كان على نحو البريدين لقلة المشقة، فإذا كانت المسافة أكثر من البريدين لم يجب عليه الإتيان، وتحديد البريدين لا يقوم عليه دليل، والأصل في ذلك وجود المشقة وانتفاؤها([79]) وقال ابن أبي الدم: وإن كان على مسافة أقل من مسافة العدوى([80]) فعليه الإجابة([81])، ومسافة العدوى هي التي يذهب ويرجع إلى مسكنه في يوم.

والذي يترجح لدي في مسألة المسافة هو اعتبار مسافة القصر، لأنها هي التي تفرق بين الحركة العادية والحركة التي فيها مشقة، فقد أقر الشارع في مسافة القصر قصر الصلاة ورخصة الإفطار ومن حِكم ذلك وجود المشقة، بمعنى أن المسافة الأقل لا مشقة فيها تستأهل الرخصة، لا سيما إذا علمنا أن كلام بعض الفقهاء على تحديد البريد والبريدين لا دليل عليه، فيتحصل أن ما يتحقق فيه مشقة معتبرة شرعاً هو مسافة القصر فما فوقها.

وإذا كان الشاهد يبعد عن القاضي أكثر من مسافة القصر، واستدعى الأمر شهادته، فيمكن أن يشهد الشاهد عند قاض في منطقته، ويكتب هذا القاضي إلى القاضي الآخر بالشهادة المذكورة، قال الدسوقي: "إذا كان الشاهد بموجب حد على مسافة قصر، ولم يبعد أكثر من ثلاثة أيام، فإنه يرفع شهادته إلى من يخاطب قاضي المصر، الذي يراد نقل الشهادة إليه"([82]).

المطلب الخامس

كتمان الشهادة إذا أدت  إلى الظلم

إن الظلم حرام، ولا يجوز للشاهد أن يتسبب في ظلم غيره وقد ذكر ابن حزم صوراً لهذه الحالة منها: إذا علم الشاهد أن القاذف صادق في قذفه، أو علم الشاهد أن القاتل استرد ماله وقتل من قتل أباه فإن الشهادة هنا تكون بإيقاع الحد على من صدق في قذفه، وإيقاع القصاص على من استقاد واسترجع ماله بطريق مشروع([83]).

أدلة هذه الحالة:

استدل ابن حزم على ذلك بالقرآن:

أ- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ)[135: النساء]، فحرم الله تعالى القيام بغير القسط([84]).

ب- قال تعالى:(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[2: المائدة]، وليس في الإثم والعدوان أكثر من أن يدري أن قاذفه لم يكذب ثم يطالبه بما يطالب به أهل الكذب([85]).

والذي أرجحه وجوب امتناع الشاهد عن الشهادة إذا أدت شهادته إلى الظلم وذلك لما يأتي:

1. ما استدل به ابن حزم استدلال صحيح، لأن الشاهد مطلوب منه أن يشهد بالعدل، كي تؤدي شهادته إلى إحقاق الحق، والشهادة التي تؤدي إلى الظلم لم يتحقق فيها الشرط المطلوب، فهي ليست قياماً بالقسط، ولا هي شهادة لله، كما أنها ليست تعاوناً على البر والتقوى، وهي تعاون على الإثم والعدوان.

2. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: "سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم، قال: فأراه قال: لا تشهدني على جور"([86]).

وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع عن الشهادة على جور، والجور هو الظلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قدوة للأمة، ومما يدل على هذا الحكم أيضاً تبويب البخاري حيث جعل هذا الحديث تحت باب لا يشهد على شهادة جور.

3. الوسيلة تأخذ حكم غايتها، فما أدى إلى الواجب فهو واجب ، وما أدى إلى الحـرام فهو حـرام، فإذا أدت الشهادة إلى ظلم فهي حرام.

4. المقاصد العامة للشريعة، حيث يقصد بالشهادة رفع الظلم وإيصال الحق إلى صاحبه، وهنا أدت إلى عكس ذلك فتمنع.

المطلب السادس

كتمان الشهادة إذا كان الحاكم لا يقبل شهادته

إذا كان الحاكم يرد شهادة الشاهد لجرح فيه، أو عداوة بينه وبين المشهود عليه، فلا يلزمه أن يشهد([87])، لأن الشهادة في هذه الحالة لا تحقق المقاصد الشرعية من إقرار للحق، ورفع للخصومة، وإذا كانت الشهادة مردودة عند الحاكم فيكون وجودها وعدمه سواء، والذي أرجحه إباحة الكتمان في هذه الحالة للأدلة الآتية:

1. قوله تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)[282: البقرة] ووجه الدلالة أننا نكلف الشاهد جهداً، ومشقة من غير فائدة، وذلك إضرار به لا تقابله مصلحة أو منفعة مقصودة للشارع.

2. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"([88]).

وأن ترد شهادته، ولا يؤخذ بها إضرار به([89])، لأنه يترك مصالحه وأهله ويذهب لأدائها من غير أن تقبل منه.

فلم يكن أمام الضرر الذي لحق به فائدة، بالإضافة إلى أن رد الشهادة جرح له، وذلك ضرر به.

المطلب السابع

كتمان الشهادة إذا كانت لا تنفع

يجوز للشاهد أن يمتنع عن الشهادة إذا لم يترتب على شهادته مقصودها الشرعي من إحقاق الحق، وإيصاله إلى صاحبه، قال ابن قدامة: "إنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر وكانت شهادته تنفع"([90]) والمقصود بالنفع أن تؤدي الشهادة ثمرتها المرجوة من إيصال الحق إلى صاحبه ورفع الخصومة بين المتخاصمين، فإذا لم تكن كذلك فتكون غير مؤدية للمطلوب الشرعي فللشاهد عندها أن يمتنع، قال ابن مفلح: "إن كان الحق بيد من لا يستحق، ولا يصل إلى من يستحقه، فلا يلزمه (الشاهد) إعانة أحدهما([91])، وانظر إلى تغير الأحوال، وفساد الذمم، وأغراض الدنيا، فرب شهادة تخدم باطلاً، فيطمس بذلك الحق([92]).

من هنا أرى أن ينظر إلى مآل الشهادة فإن غلب على الظن أنها لا تحقق مقصودها الشرعي أو أنها تخدم الباطل، ساغ للمكلف أن يكتم الشهادة في هذه الحالة.

المطلب الثامن

كتمان الشهادة في القانون

رأينا أن الشريعة تحدد أحوالاً لكتمان الشهادة فتوجبه أحياناً، وتجعله مندوباً أو مباحاً في أحيان أخرى، لكن القانون لا يراعي هذه الحالات، فيجعل الشاهد ملزماً بالشهادة إذا دعي إليها، ويعاقب على عدم الحضور، والامتناع عن الشهادة، فقد نصت المادة 57 من قانون أصول المحاكمات الشرعية الأردني على أنه: "إذا عجز الخصم عن إحضار شهوده في اليوم الذي تعينه المحكمة للمرة الثانية دون عذر مقبول ولم يطلب إحضارهم بواسطة المحكمة فللقاضي أن يعتبره عاجزاً"، لذلك فإذا أمهل لإحضار شهوده وعجز عن إحضارهم للمرة الثانية، وطلب إحضارهم بواسطة المحكمة، واستعد لدفع نفقاتهم، ورسوم تبليغهم فعلى المحكمة إجابة طلبه، ودعوة الشهود بواسطتها([93]).

وذكر د.أحمد داود في حال عدم حضور الشهود أن المحكمة تتخذ الإجراء الذي تراه مناسباً وفق الأصول الشرعية([94]).

كما نصت المادة (81) من قانون أصول المحاكمات المدنية الاردني وتعديلاته رقم 24 لسنة 1988م في فقرتها السادسة على ما يأتي: "إذا تبلغ الشاهد تبليغاً صحيحاً وتخلف عن الحضور، ولم يكن للشاهد معذرة مشروعة في تخلفه، يجوز للمحكمة أن تصدر مذكرة إحضار بحقه تتضمن تفويض الشرطة إخلاء سبيله بالكفالة، وإذا حضر الشاهد ولم تقنع المحكمة بمعذرته، فلها أن تحكم عليه بالحبس لمدة لا تزيد عن أسبوع ، أو بغـرامة لا تزيـد على عشـرة دنانير، ويكون قرارها قطعياً".

وفي المحاكمات الجزائية كذلك لا يجوز للشاهد أن يتخلف عن الحضور، وأداء الشهادة، يقول سعدي بسيسو: "إن للشهود في القضايا الجزائية دوراً رئيساً في إظهار الحقيقة، وتحقيق العدالة، ولهذا كان حضورهم لأداء الشهادة أمراً واجباً، وضرورياً كلما كلفوا بها ودعوا إليها، فإذا دعي الشاهد، ولم يلب الدعوة بعد أن تبلغها أصولاً، جاز للمحكمة من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب النائب العام إرجاء النظر في الدعوى إلى جلسة ثانية، وإلزام الشاهد المتخلف بدفع نفقات الدعوى، وانتقال الشهود، وغيرها، إلا إذا كان غيابه لعذر مشروع، وكذلك إصدار مذكرة إحضار بحقه([95]).

ويحق للمحكمة أن تستدعي من تلقاء نفسها أي شخص لاستماع أقواله كشاهد إذا رأت أن ذلك يساعد على إظهار الحقيقة، ولها إصدار مذكرة إحضار إذا دعت الضرورة لذلك (المادة 226/1 أصول)([96]).

أما العذر المشروع في القانون كالمرض، وموت القريب، فهو لا يعفيه من الحضور ولكن إذا زال العذر فعليه بالحضور، وإبراز عذره، وتنظر المحكمة في عذره، يقول بسيسو: "ويحق للشاهد أن يثبت للمحكمة بعد مثوله أمامها أن تخلفه عن الحضور لتأدية الشهادة كان راجعاً إلى عذر مقبول كالمرض، أو هطول الثلوج، أو وفاة قريب، وعندها جاز لها أن تعفيه من دفع الغرامة كلها أو بعضها([97]).

وفي القانون المصري يلزم الشاهد بالحضور, ويعاقب على عدمه كذلك, يقول د.محمد الغريب: "والالتزام العام بأداء الشهادة يترتب عليه عدة التزامات قانونية، ويعاقب عليها وهي الالتزام بالحضور، وتأدية الشهادة، والصدق، ومن أجل الوفاء بهذه الالتزامات عاقب القانون على الامتناع الذي يكون واقعة مادية واضحة... كما يأتي:

أولاً: الالتزام بالحضور: يجب على كل من دعي إلى الشهادة أمام المحكمة أن يحضر في اليوم المحدد للجلسة ولو كان معفياً من أداء الشهادة وفقاً لقانون المرافعات، لأن الالتزام بالحضور غير الإعفاء من الشهادة, هذا إلا إذا كان الشاهد من رجال السلك السياسي الذين يتمتعون بحصانة لا يجوز معها إكراههم على الحضور أمام القضاء لأداء الشهادة عن واقعة جنائية أو مدنية"([98]).

ونلاحظ أن القانون المصري فرق بين الحضور لأداء الشهادة وأداء الشهادة, وذكر حالة استثنائية يعفى فيها الشاهد من الحضور إذا كان من رجال السلك السياسي.

كما نص على أن المحكمة تعاقب الشاهد المتخلف عن الحضور بغرامة مالية أو تؤجل الدعوى لإعادة تكليفه بالحضور، أو تصدر أمراً بالقبض عليه وإحضاره, وإذا اعتذر بأعذار مقبولة عن عدم إمكانه الحضور فللمحكمة أن تنتقل إليه وتسمع شهادته بعد إخطار النيابة العامة وباقي الخصوم الذين لهم أن يحضروا بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم([99]).

ومما سبق نرى أن القانون لا يعفي الشاهد من الحضور، وأداء الشهادة إلا في حالة نادرة جداً، بينما نجد الشريعة قد أعفته في حالات متعددة كما مر بنا، وهذا يشهد لها بالشمول، ومراعاة الأحوال والظروف، والأشخاص, والأسباب والمقاصد.

الخاتمة

1. الشهادة تمثل جانباً مهماً في الحياة البشرية حيث إنها تسهم في إحقاق الحق وإيصاله إلى صاحبه ولها أثرٌ كبيرٌ في رفع الخصومات وتوثيق المعاملات بما يحقق الأمن والسير السليم في العمل المنتج وضبط السلوك.

2. إذا كانت الشهادة تحقق الغايات النبيلة والمقاصد النظيفة فإن كتمانها في بعض الحالات يحقق مصالح، ويرفع أضراراً، ويدفع مفاسدَ، فيكون كتمانها هنا هو المطلوب شرعاً من المكلف.

3. الموازنة بين المصـالح والمفـاسد المـترتبة على الشهادة وكتمانها هي التي ترجح جانب الأصل أو الاستثناء في الموضوع.

4. الضرر مرفوع في هذه الشريعة "فلا ضرر ولا ضرار" لكن الضرر الذي يرفع هو الذي يكون فوق المعتاد، وهو الذي يساوي المصلحة أو يزيد، إذ دفع المفاسد أولى من جلب المنافع.

5. سهولة هذه الشريعة ويسرها ومراعاتها لمصلحة المكلف وشمولها الذي يغطي الحاجات، ويحل المشكلات مهما تطور الزمان، وكيفما تغيرت الظروف والأحوال.

 

(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد الثالث، العدد (2)، 1428ه‍/ 2007م.

 

الهوامش:


([1]) أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، حديث رقم 2110.

([2]) جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور(ت 711ﻫ/ 1311م)، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ج5، مجلد 12، ص506-509. الراغب أبو القاسم الحسن بن محمد الأصفهاني (ت 502ﻫ) بيروت لبنان دار المعرفة للطباعة والنشر ج1، ص425، إبراهيم أنيس وآخرون المعجم الوسيط دار إحياء التراث العربي (ط2)، ج2، ص77.

([3]) عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (ت 701ﻫ)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، عيسى البابي الحلبي وشركاه، دار إحياء الكتب العربية، ج2، ص114.

([4]) ابن منظور، لسان العرب، ج2، ص338. الراغب، المفردات، ص267. أنيس وزملاؤه، المعجم الوسيط، ج1، ص497. محمد بن أبي بكر الرازي(ت 666ﻫ)، مختار الصحاح، بيروت، دار الكتب العلمية، ص349.

([5]) محمد بن عبد الواحد السيواسي ابن الهمام (ت681ﻫ)، شرح فتح القدير، بيروت، دار الفكر، (ط2)، ج7، ص364.

([6]) سيدي أحمد بن محمد الدردير (ت 1201ﻫ)، الشرح الكبير، بيروت، دار الفكر، ج4، ص164.

([7]) عبد الله بن إبراهيم الشرقاوي (ت 1226ﻫ)، حاشية الشرقاوي على تحفة الطـلاب ، بيروت، دار الكتـب العلمية (ط 1)، 1418ﻫ/1997م، ج4، ص496.

([8]) منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت 1046ﻫ) كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1402ﻫ-1982م، ج6، ص404.

([9]) إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون (ت 799ﻫ)، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، بيروت، دار الكتب العلمية، ج1، ص164.

([10]) زين الدين بن إبراهيم بن محمد (ت 970ﻫ)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، بيروت، دار المعرفة ج7، ص57. محمد بن أحمد الأسيوطي، جواهر العقود، تحقيق مسعد عبد الحميد محمد السعدني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417ﻫ-1996م، (ط1)، ج2، ص347. محمد بن أحمد بن جزي (ت 741ﻫ)، القوانين الفقهية، بيروت، دار القلم، ص205. إبراهيم ابن عبد الله بن أبي الدم (ت 642ﻫ)، أدب القضاء، تحقيق محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1407ﻫ -1987م، (ط1)، ص236. محمد بن أحمد الخطيب الشربيني (ت 977ﻫ)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت، دار الفكر، 1398ﻫ-1978م، ج4، ص450. د.وهبه الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، دار الفكر، 1409ﻫ-1989م، ط3، ج6، ص557. د.عبد الكريم زيدان، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1418ﻫ-1997م، ط3, ص141, ص142. السيد سابق، فقه السنة، بيروت, دار الكتاب العربي, 1391ﻫ-1971م, ط1, ج3، ص427.

([11]) عبد الحق ابن عطية الأندلسي (ت546ﻫ)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الدوحة، 1401ﻫ -1981م، (ط1)، ج2، ص514.

([12]) قاسم بن عبد الله القونوي (ت978ﻫ)، أنيس الفقهاء، تحقيق د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، جدة دار الوفاء، 1406ﻫ (ط1)، ج1، ص236. ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج1، ص165.

([13]) محمد بن جرير بن يزيد الطبري (ت 310ﻫ)، جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار الفكر 1405ﻫ، ج5، ص232.

([14]) أحمد بن علي الجصاص (ت 370ﻫ) أحكام القرآن، بيروت، دار الكتاب العربي، ج1، ص520.

([15]) محمد أمين ابن عابدين (ت 1253ﻫ)، رد المحتار على الدر المختار، بيروت، دار الفكر 1386ﻫ (ط2)، ج7، ص63. ابن جزي، القوانين الفقهية، ص205. محيي الدين بن شرف النووي (ت 676ﻫ) المجموع شرح المهذب، بيروت، دار الفكر، ج20، ص223. الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص450. موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة (ت 630ﻫ)، المغني، بيروت، دار الكتاب العربي، 1392ﻫ-1972م، ج12، ص3. شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة (ت 682ﻫ) الشرح الكبير، مطبوع بهامش المغني، ج12، ص423. محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت1250ﻫ-1834م)، السيل الجرار، تحقيق محمد إبراهيم زايد، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405ﻫ، (ط1)، ج4، ص190. الشوكاني، فيض القدير، بيروت، دار الفكر، ج1، ص305.

([16]) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج7، ص63. ابن جزي، القوانين الفقهية، ص205. ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج1، ص164. النووي، المجموع، ج20، ص223. الشربيني، مغنى المحتاج، ج4، ص450. ابن قدامة، المغني، ج12، ص3.

([17]) ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج2، ص514.

([18]) الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج5، ص323.

([19]) القونوي، أنيس الفقهاء ج1، ص236.

([20]) الشوكاني، فيض القدير، ج1، ص305.

([21]) أخرجه مسلم وأبو داوود والترمذي، صحيح مسلم كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود، حديث رقم 1719، سنن أبي داود، كتاب القضاء، باب الشهادات، حديث رقم 3591، سنن الترمذي، كتاب الشهادات، باب ما جاء في الشهداء أيهم خير، باب رقم (1)، ج9، ص169.

([22]) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852ﻫ)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بيروت، دار المعرفة، ج5، ص26. يحيى بن شرف النووي (ت 676ﻫ)، صحيح مسلم بشرح النووي، بيروت مؤسسة مناهل العرفان، ج12، ص17. محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت1320ﻫ)، عون المعبود شرح سنن أبي داوود بيروت دار الكتب العلمية 1415ﻫ، (ط2)، ج10، ص3.

([23]) المراجع السابقة في الحاشية (22)، وفي الأجزاء والصفحات المشار إليها.

([24]) المراجع السابقة في الحاشية (22)، وفي الأجزاء والصفحات المشار إليها.

([25]) أخرجه الترمذي، سنن الترمذي، أبواب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدَّعى عليه.

([26]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب اليمين على المدعى عليه، حديث رقم2670.

([27]) أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت 728ﻫ/ 1328م)، منها ج السنة النبوية، بيروت، دار الكتب العلمية، ج1، ص147.

([28]) الجصاص, أحكام القرآن، ج1، ص535.

([29]) المرجع السابق، ج1، ص535.

([30]) الجصاص، أحكام القرآن,ج1، ص52.

([31]) ابن قدامة، المغني، ج 12، ص3. شمس الدين بن قدامة، الشرح الكبير، ج 12، ص3.

([32]) الشوكاني، السيل الجرار، ج 4، ص19.

([33]) محمد بن أحمد أبو بكر السرخسي (ت 490ﻫ) المبسوط، بيروت، دار المعرفة، 1406ﻫ، ج9، ص146. علي بن عبد الجليل المرغيناني(ت 593ﻫ) الهداية، بيروت، المكتبة الإسلامية ج3، ص166. زين الدين، البحر الرائق، ج7، ص59. سليمان بن خلف الباجي (ت 494ﻫ) المنتقى شرح الموطأ، تحقيق أبو الزهراء، حازم القاضي، مصر، مطبعة السعادة، 1332ﻫ (ط1)، ج، ص188. محمد عرفة الدسوقي (ت 1230ﻫ)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، بيروت، دار الفكر، ج4، ص175. عبد الله ابن قدامة المقدسي (ت 630ﻫ) الكافي في فقه أحمد، بيروت، المكتب الإسلامي، 1408ﻫ- 1988م (ط5)، ج4، ص223. محمد بن مفلح المقدسي (ت 762ﻫ) الفروع، بيروت دار الكتب العلمية، 1418ﻫ(ط1)، ج6، ص475. إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح (ت884ﻫ)، المبدع، بيروت، المكتب الإسلامي، 1400ﻫ، ج10، ص192. علي بن أحمد بن حزم (ت 456ﻫ/1064م)، المحلى، بيروت، دار الفكر، ج11، ص145.

([34]) المرغيناني، الهداية، ج3، ص166. وانظر القونوي، أنيس الفقهاء، ج1، ص266.

([35]) أخرجه أبو داوود: سنن أبي داوود، كتاب الحدود، باب الستر على أهل الحدود، حديث رقم 4367.

([36]) ابن مفلح: المبدع، ج10، ص192. وانظر: منصور بن يونس البهوتي (ت 1046ﻫ) الروض المربع، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة، 1390ﻫ، ج3، ص416.

([37]) السرخسي، المبسوط ج9، ص146. المرغيناني، الهداية، ج3، ص166. وهبه الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ج6، ص55.

([38]) زين الدين، البحر الرائق، ج7، ص59.

([39]) ابن مفلح، المبدع، ج10، ص192. ابن مفلح المقدسي، الفروع، ج6، ص274. ابن نجيم، البحر الرائق، ج7، ص60.

([40]) جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911ﻫ/ 1505م)، الأشباه والنظائر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399ﻫ- 1979م (ط1)، ص499.

([41]) أخرجه الترمذي وهو صحيح، صحيح الترمذي، أبواب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود، ورمز له السيوطي بالصحة، السيوطي, الجامع الصحيح، ص12.

([42]) سبق تخريجه، في الحاشية 35.

([43]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص368.

([44]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج7، ص59.

([45]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص368.

([46]) ابن جزي، القوانين الفقهية، ص205.

([47]) المقدسي، الكافي في فقه أحمد، ج4، ص520، وانظر ابن مفلح، المبدع، ج10، ص191.

([48]) إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي(ت 884ﻫ)، النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر، الرياض، مكتبة المعارف 1404ﻫ (ط2)، ج2، ص288.

([49]) ابن حزم، المحلى، ج11، ص146.

([50]) أخرجه البخاري، البخاري, صحيح البخاري، كتاب الشهادات, باب رقم 9، حديث رقم 2651.

([51]) المقدسي، الكافي في فقه أحمد، ج4، ص520. ابن مفلح، المبدع، ج10، ص191.

([52]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج7، ص57.

([53]) الموسوعة الفقهية، ج26، ص218.

([54]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص364. ابن عابدين، رد المحتار الدر المختار، ج7، ص63.

([55]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج7، ص57. النووي، المجموع، ج20، ص223. المقدسي، الكافي في فقه أحمد، ج4، ص520. ابن مفلح، النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر، ج2، ص229.

([56]) المقدسي، الكافي في فقه أحمد، ج4، ص520.

([57]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج7، ص57. محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (ت 543ﻫ)، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، ج1، ص257. ابن جزي، القوانين الفقهية، ص205.

([58]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج7، ص57.

([59]) سبق تخريجه، في الحاشية 21.

([60]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، حديث رقم 2443.

([61]) ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص25.

([62]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص366.

([63]) ابن جزي، القوانين الفقهية، ص205.

([64]) إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 446ﻫ)، المهذب، دار الفكر، بيروت، ج2، ص323.

([65]) ابن قدامة، المغني، ج12، ص3. وانظر: سيد سابق, فقه السنة، ج3، ص428.

([66]) الجصاص, أحكام القرآن، ج1، ص53.

([67]) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص400. الأسيوطي، جواهر العقود، ج2، ص347. وانظر: ابن مفلح، المبدع، ج10، ص189. ابن قدامة، المغني ج12، ص3.

([68]) محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، تونس، دار سحنون للنشر والتوزيع، ج3، ص97.

([69]) ابن قدامة، المغني، ج12، ص4.

([70]) محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671ﻫ-1273م)، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، مؤسسة مناهل العرفان، ج4، ص405. ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص260.

([71]) محمد بن يزيد القزويني بن ماجة (ت 279ﻫ)، سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب 17من بنى في حقه ما يضر جاره، حديث رقم 2340، أحمد في مسنده ومالك في الموطأ: أحمد بن حنبل الشيباني، المسند، مصر، مؤسسة قرطبة، ج5، ص326. محمد بن عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على الموطأ، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411ﻫ (ط1)، ج3، ص23. وقال السيوطي حديث حسن، انظر السيوطي، الجامع الصغير ج2، ص203.

([72]) إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774ﻫ/1373م)، تفسير القرآن العظيم، بيروت دار الفكر، 1401ﻫ، ج1، ص338.

([73]) الشوكاني، فيض القدير، ج1، ص303.

([74]) ابن مفلح، المبدع، ج1، ص189. البهوتي، الروض المربع، ج3، ص415. عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 597ﻫ/1201م)، زاد المسير، بيروت، المكتب الإسلامي، 1404ﻫ، (ط3)، ج1، ص341. ابن قدامة، المغني، ج12، ص4. البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص405. سيد سابق، فقه السنة، ج3، ص428.

([75]) سبق تخريجه، حاشية رقم 71.

([76]) البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص405.

([77]) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج7، ص66. وانظر ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص366.

([78]) ابن جزي، القوانين الفقهية، ص205.

([79]) ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج1، ص166.

([80]) مسافة العدو أن يعدو ويعود في يوم، فقد ذكر ابن أبي الدم ما يدل على ذلك فقال: قال البغوي إن كان الشاهد غائبأ لكنه على مسافة يمكنه إتيان أهله ليلاً تلزمه الإجابة. ابن أبي الدم، أدب القضاء، ص266.

([81]) ابن أبي الدم، أدب القضاء، ص265.

([82]) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج4، ص205.

([83]) ابن حزم، المحلى، ج11، ص299.

([84]) ابن حزم، المحلى، ج11، ص299.

([85]) المرجع السابق، ج11، ص299.

([86]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، حديث رقم2650.

([87]) ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج1، ص166. ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص366. ابن قدامة، المغني، ج12، ص4. ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج7، ص66. البهوتي، الروض المربع، ج3، ص415.

([88]) سبق تخريجه، حاشية رقم 78.

([89]) الموسوعة الفقهية، ج26، ص217. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج3، ص117. البهوتي، الروض المربع، ج3، ص115.

([90]) ابن قدامة، المغني، ج12، ص4. وانظر: الشوكاني، السيل الجرار، ج4، ص191.

([91]) ابن مفلح، الفروع، ج6، ص475.

([92]) ابن عطية، المحرر الوجيز، ج2، ص52.

([93]) د.أحمد محمد داود، القرارات الاستئنافية في أصول المحاكمات الشرعية ومناهج الدعوى، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2004م، ط1، ج2, ص564.

([94]) داود، القرارات الاستئنافية في أصول المحاكمات الشرعية ومناهج الدعوى، ج2, ص573.

([95]) سعدي بسيسو، أصول المحاكمات الجزائية، ط 1965، ص477، 478. د.محمد علي سالم الحلبي، الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، عمان، مكتبة دار الثقافة والنشر والتوزيع، 1996م، ج2، ص380.

([96]) الحلبي، الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، ج2، ص380.

([97]) بسيسو، أصول المحاكمات الجزائية، ص478.

([98]) د.محمد عيد الغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، 1996م-1997م, ط2، ج2، ص1389, 1390.

([99]) الغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، ص1390.

رقم البحث [ السابق --- التالي ]





التعليقات

 

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الدولة

عنوان التعليق *

التعليق *

Captcha
 
 

تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا