الموضوع : الحث على تخفيف تكاليف الطعام الذي يقدمه أهل المتوفى في العزاء وبدائل ذلك

رقم الفتوى : 3589

التاريخ : 06-09-2020

السؤال :

نرجو إصدار فتوى شرعية توضح لأبناء الوطن مدى شرعية التكاليف الباهظة للطعام الذي يقدمه أهل المتوفى في العزاء، وما هي البدائل التي يمكن للمنفق أن يفعلها ويعود ثوابها على المتوفى؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

حثّ الشارع على إظهار المواساة والتعاضد بين المسلمين في مصيبة الموت؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إِلا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه ابن ماجه، وقد نصّ الفقهاء أنّ التعزية ثلاثة أيام، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: "ولا تعزية بعد ثلاث من الأيام تقريباً، أي تكره بعدها، إذ الغرض منها تسكين قلب المصاب، والغالب سكونه فيها، فلا يُجدَّد حزنه، وقد جعلها النبيّ صلى الله عليه وسلم نهاية الحزن بقوله: (لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) رواه البخاري" [أسنى المطالب 1/ 334].

ومن السنة أن يصنع الناس طعاماً لأهل الميت؛ تخفيفاً لمصابهم ومعاونة لهم على انشغالهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ) رواه أبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن، والمراد بأهل الميت أهل بيته، وجاء في [شرح المقدمة الحضرمية ص476] من كتب الشافعية: "يسنّ لنحو جيران أهل الميت وإن لم يكونوا جيرانه، أو كانوا ببلد غير بلده، ولأقاربه الأباعد، تهيئة طعام يشبعهم يوماً وليلة، وأن يلحّ عليهم في الأكل".

وأما إن لم يعدّ أحد الطعام لأهل الميت؛ فلا حرج عندئذٍ أن يعدوه لأنفسهم، ولمن ينزل بضيافتهم من أقاربهم، من غير إسراف في ذلك أو مبالغة أو مباهاة من خلال دعوة الناس إلى الطعام وإقامة الولائم الكبيرة لذلك.

ومما ينبغي التنبّه له أنّ التكاليف التي تنفق في إقامة بيوت العزاء على الطعام وغيره من الضيافات إن كانت من تركة الميت فلا تجوز إلا بإذن صريح من الورثة، وأما إنْ كان بين الورثة قاصرٌ فلا يجوز الأخذ من نصيبه من التركة لا بإذنٍ ولا بغيره، ونذكّر أن الواجب في تركة الميت تجهيزه وقضاء ديونه ووصاياه، وخاصة ديون الله تعالى من حج واجب في ذمة الميت أو زكاة أو نذور، جاء في [مغني المحتاج 4/ 7]: "يبدأ من تركة الميت بمؤنة تجهيزه، ثم تقضى ديونه ثم وصاياه، من ثلث الباقي".

ومن الجدير ذكره أنّ أبواب تقديم النفع للميت كثيرة متنوعة، ومن جملتها الدعاء له من قلب خالص، أو قراءة القرآن، وغيرها من الأعمال الصالحة التي يُهدى ثوابها للميت، قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "قال ابن الصلاح: وينبغي أن يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان، فيجعله دعاء، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد، وينبغي الجزم بنفع هذا؛ لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي، فلأن يجوز بما له أولى، وهذا لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال" [مغني المحتاج 4/ 111].

وأفضل ما يقدم عن الميت الحجّ والعمرة عنه إن لم يحجّ عن نفسه، وتكاليف الحجّ تخرج من التركة إنْ وجب عليه الحجّ ولم يؤدّه؛ لأنه دين في ذمته؛ لما روى ابنُ عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ)، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. رواه البخاري.

ومن أبواب النفع للميت الصدقةُ عنه، فقد روت أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ). رواه البخاري. والله تعالى أعلم.