الموضوع : تلويث المياه بالطرق والوسائل كافة محرم شرعاً

رقم الفتوى : 3286

التاريخ : 19-09-2017

السؤال :

ما الحكم الشرعي لتلويث مصادر المياه؟

الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

يعتبر الماء من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، وجعله الله تعالى المصدر الأساسي للحياة قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) الأنبياء/ 30، وقال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) ق/ 9- 10.

وقد خلق الله  تعالى هذا الكون وسخره للإنسان وجعله مستخلفاً فيه، قال تعالى: )وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا( الجاثية/ 13، فعلى الإنسان أن يحسن التصرف بالموارد التي سخرها الله تعالى له, وأن يحافظ عليها باعتبارها ميراثاً لجميع البشرية، وليست ملك جيل واحد من الأجيال، فلا يحق لأحد أن يعبث بهذه الموارد وأن يدمرها، أو يستنفذ حق باقي الأجيال.

وقد بلغ من عناية الشريعة الإسلامية بالماء أن وضع أحكاماً خاصة تتعلق بحفظه وصيانته وحث على عدم الإسراف فيه أو تلويثه.

كما حرم الإسلام إهدار هذه النعمة العظيمة بالإسراف أو التلويث، خاصة إذا كان التلويث عاماً يتناول كافة المصادر المائية، وهو حكم يتوافق مع مقاصد الشريعة، وعمومات الأحكام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه ابن ماجة.

والاعتداء على الماء بالتلويث هو من الفساد في الأرض الذي نهى عنه الله تعالى، وتوعد صاحبه بأشد العقوبات، قال الله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) البقرة/ 60. وقال تعالى: (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) البقرة/ 211.

كما أن الاعتداء على الماء بالتلويث هو اعتداء على كل الناس؛ لأن الناس شركاء في الماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلأِ وَالنَّارِ) رواه أبو داود.

ومما يدل على حرمة تلويث المياه ما روى جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الراكد) رواه مسلم، والبول في الماء الراكد يفسده، وإفساده يؤدي إلى الإضرار بالناس. وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ) رواه مسلم. وذلك لما فيه من تلويث  للمياه وعدم إمكانية انتفاع الناس منه.

كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على المياه وصيانتها عن التلوث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ) رواه مسلم.

وعليه؛ فإن تلويث المياه بكافة الطرق والوسائل أمر محرم شرعاً، ومخالف لتعاليم الشريعة الإسلامية خاصة ونحن في بيئة يشح فيها وجود الماء، ويزداد الأمر حرمة ويشتد أثمه إذا كان فيه زيادة إتلاف للبيئة، كرمي المخلفات الصناعية والمبيدات الحشرية في الينابيع والأنهار، أو رمي النفايات الصلبة الخطرة في البرك والينابيع، أو تسريب مياه الصرف الصحي للمياه الجوفية، أو تسميم المياه المتعمد لقتل الحيوانات الضارة، مما يؤدي إلى تلوث الماء تلوثاً شديداً يؤدي إلى الإضرار بالتربة والمحاصيل وجميع أشكال الحياة، وحصول مخاطر صحية مؤكدة على حياة الإنسان، وخسارة المصدر المائي بشكل كلي. والله أعلم