اسم المفتي : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (المتوفى سنة 1432هـ)

الموضوع : المراد بالأصالة والمعاصرة والتجديد والحداثة

رقم الفتوى : 2526

التاريخ : 31-07-2012

السؤال :

الأصالة والمعاصرة والتجديد والحداثة عبارات نسمع أصداءها تتردد كثيرا في عالم الفكر والأدب، ما هي الدلالات الحقيقية، أو ماذا يُراد بهذه العبارات في نظركم؟

الجواب :

في كل علم من العلوم ومنهج من المناهج توجد أمور متوارثة عن السابقين، وتوجـد مُستجدات توَصَل إليها المحدثون، وبعض المتخصصين في كل مجال من هذه المجالات يرى أنّ الأصل هو الالتزام بما خلَّفَهُ السابقون؛ لأنه إنتاج مُجرَّب فتكون الثقة به أكبر، ولأن الالتزام به يُريح المجتمع من أزمة الثقة بالجديد، والبحث في مدى صلاحيته، بينما يرى البعض الآخر من المتخصصين أن الأصل هو التجديد، حتى لا نقف في مضمار التخصص وقفة جمود تؤدي إلى الموت والفناء؛ ولأن السابقين عالجوا قضاياهم وعلينا أن نعالج ما استجد من قضايانا، ثم إن السابقين قد طوَّروا ما ورثوه عمن قبلهم ولا بد أن نُطور نحن أيضا.

هذا خلاصة ما يقال في تعريف هذه الاصطلاحات ووجهات نظر الداعين إليها، أما الحكم بين أنصار المنهجين فيحتاج إلى مقدمات:

أولا: لا يستطيع أحد أن يدَّعي بأن كل قديم أفضل من الجديد، ولا أنّ كل جديد أفضل من القديم، ومن الذي يرضى أن يسكن في بيت كالذي كان يسكن فيه آباؤه وأجداده، ومن الذي يقدر أن يستغني عن الطعام والشراب والهواء باعتبارها مما توارثناه عن الأقدمين؟ إذن فالحكم المجمل غير صحيح.

ثانيا: إن سنة الله في خلقه مبنية على التطوير والتجديد من غير استغناء عن الأصول؛ ألا ترى أن الشجرة تنمو وتتطاول أغصانها وتمتد في الفضاء، لكنها مرتكزة على الساق القديم والجذر العتيق، وهكذا قُل في غيرها من مخلوقات الله.

نخلص من هذا إلى أن بعض المسلمات التي ورثناها عمن قبلنا لا يجوز الإخلال بها، وأن مراعاة متطلبات العصر ضرورة لا بد منها.

 وفي مجال الفكر والتشريع لدينا ثوابت لا يجوز الإخلال بها، وهي ما نص عليه كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والكتاب والسنة قد رُوعي فيهما أمر التطوير والتحديث، كما رُوعي أمر تثبيت القواعد المتعلقة بالأمور الثابتة، فنحن نجد الكتاب والسنة قد فصّلا تفصيلا دقيقا في أمور العبادات؛ لأنها أمور تتعلق بالعلاقة الثابتة بين العبد وربه، بل في الأمور المالية التي تتعلق بعلاقة ثابتة بين الناس جاءت الأحكام مفصلة، وأعني بذلك نظام الميراث في الشريعة الإسلامية الذي يحدد تحديداً ثابتاً حصة كل وارث للميت؛ لأنها مبنية على علاقة القرابة التي لا تتغير من زمن إلى زمن.

أما الأمور المتعلقة بحياة المجتمع وتنظيم شؤونه اليومية، فنرى أنّ النصوص الواردة فيها مجملة وقليلة؛ ليتمكن المجتهدون من تطبيق هذه القواعد وفق ما تقتضيه الأحوال في الأزمنة المتغيرة، ولننظر إلى قول الله تعالى:( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى /38، فقد ألزم المسلمين بمبدأ الشورى، وترك أسلوب تطبيق الشورى للأمة تُراعي فيه مقتضى الزمن.

وهذه حقيقة تغيب عن ذهن الكثيرين ممن لا يعرفون أحكام الشريعة الإسلامية، فتراهم يظنون أن العودة إلى الإسلام هي العودة إلى أزياء وأعراف وعادات وأنظمة كانت مطبقة قبل قرون، أما البصير بالشريعة الإسلامية فيعلم أن لها قواعد ثابتة؛ لأنها تتعلق بأمور ثابتة وفيها أحكام عامة تسمح للناس أن يكيّفوا شؤونهم وفق مقتضى كل زمان.

&