يوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة؟

الكاتب : المفتي الدكتور لؤي الصميعات

أضيف بتاريخ : 25-06-2023


يوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أجمعين، وبعد:

فإن الحج إلى بيت الله الحرام فريضة على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].

والحج عبادة كغيرها من العبادات لها سنن وواجبات وأركان، ومن أركانها: الوقوف بعرفة، وهو أهم ركن فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) [سنن الترمذي]؛ لأن من فاته الوقوف فيها فاته الحج لهذا العام.

ويوم عرفة والوقوف فيه له أهمية كبيرة ومنزلة عالية رفيعة في ديننا الإسلام؛ لذلك يحسن بالمسلم أن يعرف فضله العظيم الذي ورد في الكتاب والسنة.

يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وعرفة اسم للمكان الذي يقف فيه الحجاج، وهو على نحو ثلاث وعشرين كيلومترًا تقريبًا شرقي مكة، وقد تعددت الأقوال في سبب تسميته بهذا الاسم، وأشهرها: "أنه مشتق من المعرفة، وفيه ثمانية أقوال منها: الأول: أن آدم وحواء التقيا بعرفة فعرف أحدهما صاحبه فسمي اليوم عرفة، والموضع عرفات، وثانيها: أن آدم علمه جبريل مناسك الحج، فلما وقف بعرفات قال له: أعرفت؟ قال نعم، فسمي عرفات، وثالثها: أن جبريل كان علم إبراهيم عليه السلام المناسك، وأوصله إلى عرفات، وقال له: أعرفت كيف تطوف وفي أي موضع تقف؟ قال نعم. والقول الثاني: في اشتقاق عرفة أنه من الاعتراف؛ لأن الحجاج إذا وقفوا في عرفة اعترفوا للحق بالربوبية والجلال والصمدية والاستغناء، ولأنفسهم بالفقر والذلة والمسكنة والحاجة، ويقال: إن آدم وحواء عليهما السلام لما وقفا بعرفات قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، فقال الله سبحانه وتعالى: الآن عرفتما أنفسكما. والقول الثالث: أنه من العَرْف وهو الرائحة الطيبة؛ قال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] أي طيبها لهم، ومعنى ذلك أن المذنبين لما تابوا في عرفات فقد تخلصوا عن نجاسات الذنوب، ويكتسبون به عند الله تعالى رائحة طيبة" [الرازي، مفاتيح الغيب، 5/ 325 بتصرف].

ويوم عرفة له من الفضائل ما يجعله يوماً من أيام الله تعالى الخالدة، ومن هذه الفضائل العظيمة:

* أنه اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه العهد على بني آدم، فعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172، 173]) [رواه الإمام أحمد في مسنده].

* أنه أحد أيام شهر ذي الحجة الذي هو من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى بقوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، والأشهر الحرم هي (المحرم وذو القعدة وذو الحجة ورجب).

* أنه أحد الأيام التي أقسم الله تعالى بها فقال: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3] و"الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة". [الطبري، جامع البيان، 24/ 398]. وجاء في قول الله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] و"الشاهد هو يوم الجمعة، ومشهود وهو يوم عرفة"، [الطبري، جامع البيان، 24/ 333].

* أنه أحد الأيام العشرة الأول من ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة عند الله تعالى في عظم الأجر والثواب؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: (ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) [صحيح البخاري]، وعند أبي داود: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) [سنن أبي داود].

* أنه اليوم الذي  أكمل الله فيه الدين وأتم فيه النعمة؛ قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3]، يقول ابن كثير: "هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف" [تفسير ابن كثير، 3/ 26]، وهذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة، ففي قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، فقال عمر: "قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة. [البخاري: صحيح البخاري].

* أنه يوم يكثر فيه العتق من النار ويباهي الله عز وجل بأهل الموقف الملائكة، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟( [صحيح مسلم]، وروى المنذري عن أنس رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: (يا بلال أنصت لي الناس)، فقام بلال فقال:  أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس فقال: (معشر الناس أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات)، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: (هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة)، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كثر خير الله وطاب" [المنذري، الترغيب والترهيب].

* أنه اليوم الذي إذا صامه المسلم فإنه يكفر ذنوب سنتين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)، [صحيح مسلم]. ومعناه كما يقول النووي: "معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر.. وإن لم تكن صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات" [شرح النووي على مسلم، 8/ 51 بتصرف].

* أن دعاء يوم عرفة هو خير الدعاء على الإطلاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) [سنن الترمذي]. لذا ينبغي على المسلم أن يستغل هذا اليوم العظيم في الدعاء وخاصة الأدعية الجامعة، ولا حرج في أن يخص نفسه ومن يحب بالدعاء.

* أنه من مفاخر المسلمين وأعيادهم؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) [سنن الترمذي].

* أنه أعظم الأيام عند الله تعالى في مغفرة الذنوب وخاصة العظام منها، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) [صحيح ابن حبان]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رئي الشيطان يوما، هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ، منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري يوم بدر)، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: (أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة) [موطأ الإمام مالك].

وفي الختام: يوم عرفة يعرفه جميع المسلمين، يعرفون فضله الكبير وعظمته وجلالته وبركته، فحري بهم أن يستغلوا وقته كله في طاعة الله تعالى، فهو نفحة عظيمة من نفحات الله الخالدة، وهو يوم عظيم من أيام الله تعالى الخالدة على مرَّ الزمان.