وقفات مع فرض الصلاة

الكاتب : المفتي الدكتور محمد بني طه

أضيف بتاريخ : 24-04-2017


وقفات مع فرض الصلاة.. في ذكرى الإسراء والمعراج

 

الحمد لله الذي أكرم عبده ورسوله بمعجزة الإسراء والمعراج، فأفاض عليه من العطايا والهبات ليقول له إن تخلى عنك أهل الأرض فقدرك عظيم عند أهل السماوات، فكانت له مواساة وتأييداً، ورفعة وتمجيدا، أراه فيها من آياته الكبرى ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، والصلاة والسلام على صاحب الذكرى والمقام الأسنى ومن تبعه بالحسنى.

سبحان من أسرى بخير ضياء            أســـرى بنور محمد الوضـــــاء

أسرى به في ليلة قدســـــــية                عطريــــــة الأنسام والأضــــــــواء

أسرى به ليلاً ليشهد موكبـــاً               من أعظم الآيات والأنبــــــــــــــاء

ركب البراق بإذنه من مسجــد           للمسجد الأقصى إلى الجـــــــوزاء

وهناك صلى بالنبيين الألـــــى             صـــلى إمامـــــــــاً سيــد الشفعــاء[1]

أما بعد.

فكما كانت معجزة الإسراء والمعراج رفعة وكرامة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، كذلك كانت كرامة ورفعة لأمته وذلك من رحمة الله بهذه الأمة، حيث حبانا الله فيها بعبادة الصلاة، وأعظم بها من مكرمة، تتجدد لنا ما تعاقب الليل والنهار يفيض الله علينا فيها من واسع رحمته وجزيل عطاياه ما يثلج الصدور ويثبت القلوب ويحصل السعادة في الدارين.

وعند إنعام النظر تتجلى لنا مكرمة الصلاة في معجزة الإسراء والمعراج من خلال ما يلي:

1- جاءت رحلة الإسراء والمعراج للنبي عليه السلام بعدما تكاثرت عليه الأحزان وتكالبت عليه المصائب واجتمعت عليه الهموم، حيث فقد زوجته الرؤوم خديجة رضي الله عنها وعمه أبو طالب الذي كان يدافع عنه ويمنعه من أعدائه، وصار القريب والغريب يؤذونه ويستهزؤون به فكانت رحلة الإسراء والمعراج تسلية وتثبيتا للنبي عليه السلام.

وكذلك الصلاة شرعها الله تعالى مفزعا لكل مهموم وملجأ لكل مكروب من هذه الأمة المرحومة، فمن أصابته الهموم والأحزان فليفزع للصلاة، فعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى)[2].

2- ثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ)[3].

وكذلك روي أنه توضأ من ماء زمزم وماء الكوثر ليلة المعراج، وهذا تطهير للظاهر والباطن، وبدأ بطهارة الباطن لأنها الأهم، ثم طهارة البدن، فهو في رحلة الطهر ليرى من آيات ربه الكبرى.

وكذلك المصلي إذا قام لصلاته عليه أن يطهر قلبه من شواغل الدنيا وعوالقها لينعم بلذيذ مناجاة الله، وأن يطهر بدنه وثوبه؛ لأنه في مقام الطهر.

3- ابتدأت حادثة الإسراء من مسجد (المسجد الحرام) وانتهت إلى مسجد (المسجد الأقصى)، وفي هذا دلالة عظيمة على العلاقة بين حادثة الإسراء والمعراج والصلاة، حيث ابتدأت من مكان الصلاة وانتهت إلى مكان الصلاة وفرضت فيها الصلاة.

4- ذكرت سورة الإسراء المسجد الأقصى رغم أنه في ذلك الوقت كانت معالمه قد اندرست وحاول النصارى طمسه نكاية باليهود ولم تقم فيه الصلاة من مئات السنين، لكن ذلك كله لم يرفع عنه اسم المسجدية؛ لأن المكان المخصص للصلاة يبقى للصلاة إلى الأبد لعظم هذه الشعيرة.

يقول ابن عاشور في تفسيره: "لهذا فتسمية ذلك المكان بالمسجد الأقصى في القرآن تسمية قرآنية اعتبر فيها ما كان عليه من قبل لأن، حكم المسجدية لا ينقطع عن أرض المسجد، فالتسمية باعتبار ما كان، وهي إشارة خفية إلى أنه سيكون مسجدا بأكمل حقيقة المساجد"[4].

5- مر الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره، وفي هذا دلالة على أن الصلاة عبادة الأنبياء من قبلنا، ولعل كون النبي الذي مر عليه يصلي في قبره هو موسى دون غيره من الأنبياء عليهم السلام؛ أنه هو الوحيد الذي سيراجعه في الصلاة عند فرضيتها في السماوات العلى في هذه الرحلة المباركة.

6- صلى النبي عليه السلام في المسجد الأقصى إماما بالأنبياء، ليدل ذلك على نسخ شريعته للشرائع السابقة، فكانت الصلاة لأهميتها عنوانا للشريعة، فكما أمّ عليه السلام الأنبياء في الصلاة فإن شريعته جاءت مهيمنة على بقية الشرائع وحاكمة عليها.

7- في المعراج كان النبي عليه السلام في صعوده للسماوات يستفتح له عند كل سماء فيفتح له، وكذلك الصلاة تصعد فإن كانت مقبولة فتحت لها أبواب السماء بفضل الله، وإلا أوصدت دونها الأبواب وردت على صاحبها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعلى المصلي أن يستحضر هذا المعنى ليحسن صلاته فيكون من المقبولين، وقد جاء في هذا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا، قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: (أَبْشِرُوا، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى). رواه ابن ماجه.

8- مرّ النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج على البيت المعمور وهو لأهل السماء كالبيت الحرام لأهل الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يصلون فيه ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة، فكما الصلاة عبادة أهل الأرض كذلك هي عبادة أهل السماء أيضاً.

9- في صلاة الملائكة عليهم السلام رأى النبي عليه السلام بعضهم صلاته القيام وبعضهم الركوع وبعضهم السجود، فجمع لنا ذلك كله في ركعة حيث القيام والركوع والسجود.

10- في صلاة الملائكة والأنبياء عليهم السلام دلالة على أن الصلاة ترفع صاحبها عن الأخلاق الوضيعة إلى الأخلاق الرفيعة، فحين يستشعر المسلم أنه يؤدي عبادة أطهر الخلق فإنه يزكي بذلك نفسه ويرتفع بها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[5].

11- فرضت الصلاة في السماء السابعة مباشرة من الله عز وجل، وفي هذا دلالة على عظيم شأنها ورفيع منزلتها، فهي صلة العبد بربه.

12- في نصيحة موسى عليه السلام لنبينا أن يراجع ربه ويسأله التخفيف في الصلاة؛ وأنه جرب بني إسرائيل بأقل من ذلك فما التزموا، في ذلك دلالة على ثقل الصلاة على النفس التي لم تستسلم لله بالعبادة، قال تعالى: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[6]، فالمسلم يقبل على صلاته بخشوع ليرتاح بها وتطمئن بها نفسه.

13- في فرضها خمسة وأنها بأجر خمسين حكمة عظيمة تتمثل في تعظيم أجرها من جهة وللتخفيف على هذه الأمة من جهة أخرى، يقول ابن القيم رحمه الله: "اقتضت المصلحة أن تكون خمسين تكميلا للثواب وسوقا لهم بها إلى أعلى المنازل، واقتضت أيضا أن تكون خمسا لعجز الأمة وضعفهم وعدم احتمالهم الخمسين، جعلها خمسا من وجه وخمسين من وجه جمعا بين المصالح وتكميلا لها"[7].

وفي الختام فإن استحضار هذه المعاني من المصلي يساعده على الإتيان بصلاة ذات خشوع وخضوع يتقبلها رب العالمين ويرفع بها الدرجات، أسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


[1] الشاعر محمد خضر عرابي.

[2] سنن أبي داود (2/ 35)

[3] صحيح مسلم (1/ 148)

[4] التحرير والتنوير (15/  18)

[5] العنكبوت:45.

[6] البقرة:45.

[7] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2/ 33)