فضل أيام العشر من ذي الحجة

الكاتب : المفتي الدكتور محمد الزعبي

أضيف بتاريخ : 13-09-2015


فضل أيام العشر من ذي الحجة

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد:

فإن لربنا في دهرنا نفحات تأتينا نفحة بعد أخرى تذكرنا كلما نسينا وتنبهنا كلما غفلنا وتقوينا على عزائم الخير كلما ضعفنا وعلى المسلم أن يتعرض لنفحات ربه لعل الله عز وجل أن يرفع له بها الدرجات ويغفر له السيئات ويقيل عنه العثرات ويجيب له الدعوات، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لربكم في أيام دهركم نفحاتٍ ألا فتعرَّضوا لها‏) [رواه الترمذي]، ومن هذه النفحات أيام العشر الأولى من ذي الحجة التي ينبغي على المسلم أن يحرص على اغتنامها بالأعمال والأقوال الصالحة، وأن يعزم النية على استغلالها بالطاعة والعبادة حتى يكون له من الله عون على القيام بها، وتأدية ما طلب منه فيها، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت/ 69، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر– قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].

فانظر أخي رعاك الله إلى عظم هذه الأيام المباركة وكيف أنه صلى الله عليه وسلم جعل العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من سائر الأيام، وأن القائم فيها بالطاعة والعبادة كالمجاهد في سبيل الله الذي جاهد بنفسه وماله فلم يرجع منهما بشيء، وما ذلك أخي إلا لعظم هذه الأيام وفضلها عند الله عز وجل كيف لا؟

1- وقد أقسم الله عز وجل بها، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) الفجر/ 1-2، قال ابن كثير رحمه الله: والصحيح أن الليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين من السلف والخلف. [تفسير ابن كثير 8/ 391]، ومما لا يخفى على أحد أن الله عز وجل لا يقسم إلا بما كان عنده عظيماً.

2- وأنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره:

قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ). الحج/ 28، وذهب جمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، ومنهم ابن عمر وابن عباس. ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتسبيح) [رواه أحمد في مسنده 7 /224].

3- شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأيام بأنها أفضل أيام الدنيا:

فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أفضل عند الله من أيام العشر)، قالوا: ولا مثلها في سبيل الله؟ قال: (إلا من عفر وجهه في التراب) [شرح مشكل الآثار 7 / 418].

4- وفيها يوم عرفة:

ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً وخيراً، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام يوم عرفة) [رواه ابن حبان في صحيحه]، وقال أيضاً: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة) [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) [رواه الترمذي].

5- وفيها يوم النحر:

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن يوم النحر أفضل الأيام لقوله صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر) [رواه أبو داود والنسائي].

6- وأمهات العبادة تجتمع فيها:

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره). [فتح الباري 3/390].

أخي رعاك الله أيام هذه فضلها فكيف لنا أن نستفيد منها؟

على المسلم أن يحرص كل الحرص على اغتنام هذه الليالي والأيام بجميع أنواع القرب والطاعات التي تقربه من الله عز وجل وترفع درجته ومنزلته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ومن هذه القرب والطاعات:

1- التوبة الصادقة إلى الله عز وجل بفعل الطاعات والعزم على ترك المنكرات، وأن نبدأ صفحة جديدة معه سبحانه فنصلح ما بقى حتى يغفر لنا ما مضى.

2- أداء الحج والعمرة: فهما من أفضل الأعمال التي يمكن للمسلم القيام بهما إن استطاع، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). [متفق عليه]، ورحم الله من قال:

ألا قل لزوار دار الحبيب هنيئاً   لكم في الجنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضاً   فنحن عطاش وأنتم ورود

فإن حيل أخي المسلم بينك وبين الذهاب إلى بيت الله عز وجل فاعلم أن المتخلف لعذر، شريك للسائر في الأجر إن أخلص النية لله، ولذا قال النبي لأصحابه وهو راجع من غزوة تبوك: (إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم خلَّفهم العذر) [رواه مسلم].

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقد راحوا  ومن أقام على عذر كمن راحا

3- صيام تسعه من ذي الحجة: فيسن للمسلم أن يصوم هذه الأيام المباركة، وخاصة صيام يوم عرفه الذي قـال فيه عليه الصلاة والسلام :( صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم].

4- الأضحية في يوم النحر وأيام التشريــق: وهي سنّة أبينا إبراهيم عليه السلام حين فدى الله ولده بذِبْحٍ عظيم، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمّى وكبّر)) متفق عليه). وعلى من أراد القيام بهذه الشعيرة أن لا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً لما روى مسلم وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكـم أن يضحّي فليمسك عــن شعره وأظفاره) [رواه مسلم].

5- الأعمال الصالحة الأخرى: من صلاة وقراءة للقرآن وذكر وتكبير وتهليل ودعاء وصدقة وبر للوالدين وصلة للأرحام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.

وأخيرا رحم الله من قال:

أسفاً لعبد لم يُغفر له اليوم ما جنى

كلما همّ بخير نقض العهد وما بنى

حضر موسم الأفراح فما حصّل خيراً ولا اقتنى

ودخل بساتين الفلاح فما مد كفاً وما جنى

ليت شعري من منا خاب ومن منا نال المُنى

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين