بيان حول صلاة الجمعة والجماعة

الكاتب : دائرة الإفتاء العام

أضيف بتاريخ : 14-03-2020


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، أمّا بعد:

فإنّ الوقاية من الأمراض السارية والمعدية منهج نبويّ، دلّنا عليه الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حيث قال: (وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) صحيح البخاري، وقال (عليه أفضل الصلاة والسلام): (لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) متفق عليه. كما شرّع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجرَ الصِّحي، مانعا الاختلاط بأهل الأمراض المعدية، كي لا ينتشر المرضُ ويعمّ البلاء، فقال: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفق عليه.

ولا يخفى أنّ المحافظة على النّفس الإنسانية من أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية، لذلك نجد في الشريعة التيسير في العبادة لكيلا يقع الضّرر بالمكلّف، مثل: إباحة التّيمم لمن يضره الماء، وإباحة الفطر لمن يضرّه الصوم، فيقضي حال القدرة أو يدفع الفدية، وكذلك أباحت الشريعة صلاة الفرض جلوسًا لمن لم يستطع القيام، وقصر الصّلاة للمسافر سفرا طويلا، وجمعها في السّفرِ وعند وجود المطر بشروطه المعتبرة عند السادة الفقهاء، وهكذا نجد أنّ الدِّين مبناه على اليُسر، ومراعاة حاجات الناس، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، والأدلّة على رفع الحرج في الدّين وإرادة اليُسر أكثر من أن تُحصى، فإدخال الإنسان نفسه فيما فيه حرج وعُسرٌ مضادٌّ لذلك الرّفع، ومناقضٌ لأصلٍ مقطوع به في الشريعة الإسلامية، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

وقدْ اعتبر السادة الفقهاء المطر والطّين من الأعذار التي يُترخص بها من صلاة الجمعة والجماعة، واستدلوا على ذلك بما جاء في (صحيح مسلم): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: " إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ "، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ) قال الإمام النّوويّ الشافعي: "هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار" شرح النووي على مسلم (5 / 207)، فإذا كان الترخص في صلاة الجمعة والجماعة من المطر فهو من الأمراض المؤذية والضّارة من باب أولى؛ لأن القاعدة الفقهية التي رسّخها الحديث النبوي الشريف تقول: (لا ضَرر ولا ضِرار) رواه مالك في الموطأ، ورفع الضّرر أصل قطعيٌّ في الشريعة الإسلامية.

وبما مرّ أخذ السادة الفقهاء، قال شيخ الإسلام الإمام زكريّا الأنصاريّ الشافعي: "وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ" أسنى المطالب (1 / 215)، وقد نصّ الإمام الشِّهاب ابن حجر الهيتميّ الشافعيّ على " أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ فِي نَحْوِ الْمَجْذُومِ خَشْيَةَ ضَرَرِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَنْعُ وَاجِبًا" الفتاوى الفقهية الكبرى (1 / 212).

وبناءً على ما سبق، يجبُ شرعًا على الجميع الالتزام الكامل بجميع التعليمات والإرشادات الصحيّة والتنظيميّة الصّادرة عن الجهات ذات الاختصاص، طاعة لله تعالى ولأولي الأمر قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) [سورة النساء:59 ]كما على الجميع اتّخاذ الوسائل اللازمة لمنع انتقال المرض وانتشاره، كما يحرم على من أصيب بمرضٍ معدٍ أو اشتبه بإصابته به أن ينقل المرض للآخرين من خلال مُخالطتهم، ويجب عليه أن يأخذ بالاحتياطات الصحية اللازمة، كالحجر الصّحي.ويحرم عليه إخفاء إصابته بالمرض حتى لا يؤذي الآخرين .

وبما أن المرض ينتقل بالسرعة في حال التجمعات فإن الشرع يقضي بعدم أداء صلاة الجماعة والجمعة في المساجد، لذلك تصلى الفرائض جماعة في البيوت، وتُصلى الجمعة ظهرًا في المنازل، وحفاظًا على شعيرة الجمعة المباركة ستعقد في مسجد الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وستقتصر على أربعين ممن تصح بهم الجمعة من أبناء الخدمات الطبية الملكية.

نسأل الله تعالى أن يجعل بلدنا آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، وأن يحمينا من الأمراض والأسقام، إنه على ذلك قدير، وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين.